المعنى :
(ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ). للتعظيم مظاهر شتى ، تتفاوت على قدر المعظّم ، وما يليق به من التعظيم والاحترام ، ولا شيء لدى المخلوق يليق بتعظيم خالقه إلا الطاعة والانقياد له في كل شيء ، فمن أطاع الله وامتثل أوامره ونواهيه فقد عظمه وعظّم حرماته وشعائره ، وهذا التعظيم أو هذه الطاعة ترفع من شأن المطيع عند خالقه ، لا من شأن الخالق المطاع لأن الله غني عن العالمين ، ولذا قال تعالى : (فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) أي تعظيم أحكام الله باطاعتها خير للمطيع عند خالقه وبارئه.
(وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ). حرم الله على الحاج الصيد أيام إحرامه ، وربما توهم هذا الحاج المحرم انه إذا حرم عليه الصيد فقد حرم عليه أيضا الأكل من لحوم الانعام ، فبين سبحانه عدم التلازم بين التحريمين ، وان المحرم من الأنعام ما نص عليه القرآن كالميتة وما ذبح على النصب. انظر تفسير الآية ٣ من سورة المائدة ج ٣ ص ١٠ (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ). ابتعدوا عنها وعن عبادتها كما تبتعدون عن الأوساخ والاقذار ، والأوثان كلها رجس ، ولذا قال علماء العربية : ان من هنا للتبيين لا للتبعيض ، مثلها مثل (من) في قولك : خاتم من حديد (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ). وقول الزور يشمل كل محرم كذبا كان أو غيبة أو شتما أو فحشا ، وأشد أنواع الزور الشهادة الكاذبة لأن فيها هدرا لحقوق الله والناس ، قال رسول الله (ص) : عدلت شهادة الزور بالشرك بالله. ثم تلا هذه الآية.
(حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ). الحنفاء هم المستقيمون على دين الحق المائلون عن الأديان الباطلة ، وغير مشركين تأكيد للحنفاء. وتكلمنا عن الحنفاء عند تفسير الآية ١٠٧ من سورة الإسراء (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ). هذا كناية عن ان اثم الشرك لا يعادله اثم ، وان عذاب المشرك ليس وراءه عذاب .. ومن تتبع الآيات القرآنية والسنة النبوية يلاحظ ان المشرك أكبر إثما من الملحد عند الله ، وقد يكون السر في ذلك ان الملحد لا يثبت النقص «للخالق» لأنه لا يعترف بوجوده من