جدوى من السمع والبصر إذا عميت البصيرة؟ فان الأذن والعين وسيلة وأداة ، والعقل هو الأصل.
(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ). الخطاب لمحمد (ص) ، وواو الجماعة لمشركي قريش ، وكان النبي يتوعدهم بالعذاب ان أصروا على الشرك ، وكانوا يقولون له ما قاله الأولون لكل نبي حين ينهاهم عن الشرك ، ويتوعدهم عليه : ائتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين (وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ). فالتعجيل أو التأجيل ليس بالشيء المهم ما دام الوفاء بالوعد كائنا لا محالة .. وتجدر الاشارة الى ان الوعد من الله بالثواب على الطاعة هو حق للعبد المطيع لا يمكن الخلف فيه ، أما وعيده تعالى بالعقاب على المعصية فحق لله على العبد العاصي ان شاء عفا ، وان شاء عاقب إلا إذا سبق منه القول : انه لن يعفو كما في الآية التي نحن بصددها حيث نفى الخلف فيما وعد به من عذاب قريش لموقفها من رسول الرحمة.
(وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ). يقول سبحانه للمشركين : علام تستعجلون عذاب الآخرة ، ويوم واحد منه أشد عليكم من عذاب ألف سنة من سني الدنيا ، وبالاختصار فان ألف سنة كناية عن هول اليوم الآخر (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ). تقدم مثله في الآية ٤٥ من هذه السورة ، وفي هذا المقطع بالذات ، وأعاد سبحانه لتأكيد الانذار والتخويف (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ). هذه هي مهمة الأنبياء : التبليغ عن الله وإنذار من أعرض وتولى ، وتكرر هذا المعنى بأساليب شتى.
(فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) المعنى واضح وتقدم في العديد من الآيات ، منها الآية ٢٥ من سورة البقرة (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ). سعوا أي اجتهدوا ، والمعاجز المغالب. والمعنى ان المشركين دائمو الاقامة في النار ملازمون لها الى ما لا نهاية لأنهم عاندوا الرسول ، وبذلوا الجهود لإعجازه عن تبليغ رسالات ربه وصد الناس عنها.