المعنى :
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ). اختلف المفسرون : هل كلمة النبي وكلمة الرسول تعبّران عن معنى واحد ، أو لكل منهما معنى؟ والأقرب انه لا فرق بينهما من حيث ان كلا منهما ينبئه الله بما يريد ، فإذا أنبأه وأمره بالتبليغ أطلقت عليه كلمة النبي لأن الله أنبأه ، وكلمة الرسول لأنه تعالى أمره بالتبليغ ، وإذا أنبأه ولم يأمره بالتبليغ فهو نبي ، وعلى هذا فكل رسول نبي ، وليس كل نبي رسولا.
وقد روي في سبب نزول هذه الآية ان النبي (ص) تلا على قريش سورة النجم ، ولما بلغ الى قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) ألقى الشيطان في تلاوة رسول الله ما نصه بالحرف «تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى». والغرانيق جمع غرنوق ، وهو الحسن الجميل أي ان هذه الأصنام حسنة وجميلة ، وترجى شفاعتها عند الله.
ونفى العلماء المحققون هذه الرواية ، وجزموا بأنها من وضع الزنادقة الطاعنين بكتاب الله ونبوة محمد (ص) واستندوا في ذلك الى أدلة قاطعة من العقل والنقل .. النبي الذي أرسله الله لمحاربة الشرك والأوثان يمتدحها وينعتها بأكمل النعوت والأوصاف؟ كيف ولسان النبي بيان الله وترجمانه؟ وهل للشيطان من سبيل على هذا البيان القدسي وهذه الترجمة الإلهية؟.
والصحيح في معنى الآية ان أغلى امنية للنبي ، أي نبي ، أن يعرف الناس حقيقة رسالته ، ويدركوا أهدافها ، ويهتدوا بها ، ولكن أرباب الأهداف والأطماع يحولون بين النبي وتحقيق أمنيته بالتمويه وبث الأكاذيب بكل وسيلة من وسائل الدعاية والنشر ، وقد شاهدنا ذلك ولمسناه ، بل وقاسينا منه الكثير .. وهذا هو معنى إلقاء الشيطان في امنية النبي ، فالنبي يتمنى الخير للناس ، والشيطان ـ أي المخرب ـ يصدهم عنه (فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ). يختلق المخربون ويذيعون ، ولكن الله يزهق أباطيلهم ، ويفضح أكاذيبهم بألسنة الصادقين ، وأيدي المجاهدين ، وفي معنى هذه الآية قوله تعالى :