(يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) ـ ٣٢ التوبة.
(لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ). الذين في قلوبهم مرض هم اللصوص الذين يعيشون بالسلب والنهب ، والغش والخداع ، أما القاسية قلوبهم فهم الهمج الرعاع الذين ينعقون مع كل ناعق ، والمراد بالفتنة الاختبار ، والمعنى انه لا سوق للتمويه والدعايات الكاذبة إلا عند اللصوص والهمج الرعاع .. وانّى اتجهت فإنك واجد لهذه الحقيقة صورا جلية واضحة ، واجدها في الصحف والاذاعة ، وفي الكتاب والمسرح ، وفي حديث المأجورين والمخدوعين الذين يصدقون كل ما يقال لهم من غير وعي وتمحيص ، وما أكثر هؤلاء.
ثم ان الدعايات الكاذبة ، وان أضرت من جهة فإنها نافعة من جهة أخرى ، لأنها تميز بين الخائن والمخلص ، وبين العالم والجاهل ، وهذا هو القصد من (فِتْنَةً) في قوله تعالى : (لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً) .. (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ). وكل من موّه وافترى فهو ظالم ، وكل من صدق الكذب والافتراء من غير تمحيص فهو ظالم أيضا ، والمراد بالشقاق العصيان والتمرد على أحكام الله.
(وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ). ضمير به وله يعودان الى النبي أو القرآن ، والمعنى إذا صدّق من صدّق الكذب على الله ورسوله فان أهل المعرفة والإخلاص يعلمون حقيقة هذا الكذب والافتراء ، ولا يزيدهم إلا إيمانا وتمسكا بالله ورسله وكتبه ، وإلا خشوعا وخضوعا لله وهيبته (وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ). يرشدهم الله الى طريقه ، فيسلكونه تقربا اليه ، ولا ينحرفون عنه مهما تكن الضغوط والدعايات.
(وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ). المراد بالساعة الوقت الذي يخرج فيه الناس الى ربهم من الأجداث واليوم العقيم هو يوم الحساب ، وعقمه كناية عن يأس الكافرين فيه من النجاة .. وبعد ان قال سبحانه في الآية السابقة : ان أهل العلم يؤمنون بالقرآن وبنبوة محمد (ص)