المعنى :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ). خاطب سبحانه في هذه الآية الذين صدّقوا به وبنبيه ، خاطبهم بأن مجرد التصديق لا يجديكم نفعا إلا إذا جمعتم بين أوصاف أربعة : الأول أن تحافظوا على اقامة الصلاة لله وحده ، وهذا هو المراد بقوله : اركعوا واسجدوا. الثاني أن تجتنبوا محارم الله ، كالنفاق والخيانة واثارة الفتن والافتراء على الأبرياء وتدبير المؤامرات للتخريب والفساد ، وهذا المعنى هو المقصود بقوله : واعبدوا ربكم. الثالث أن تفعلوا الخير ، كاغاثة الملهوف وإصلاح ذات البين والتعاون على الصالح العام ، وهو المعني بقوله : وافعلوا الخير. الرابع أن تجاهدوا بأنفسكم وأموالكم أعداء الله والانسانية. ومتى اجتمع في الإنسان هذه الخصال فهو من أهل الفلاح والصلاح ، وتقدم أكثر من مرة ان كلمة لعل من الله تفيد الحتم والوجوب ، ومن غيره تفيد الاحتمال والرجاء.
(هُوَ اجْتَباكُمْ) ضمير هو لله ، والخطاب في اجتباكم للمسلمين ، ووجه الاجتباء والاختيار انه تعالى خصهم بسيد الرسل وخاتم النبيين وشريعته الخالدة بشمولها ويسرها (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ). هذا أصل من أصول الشريعة الاسلامية تتجلى فيه سعتها ولينها ومرونتها. وفي الحديث : «ان دين الله يسر» لا عسر فيه ولا مشقة ، وهذا هو دين الفطرة ، وقد فرع الفقهاء على هذا الأصل العديد من الفتاوى والأحكام في جميع أبواب الفقه ، واشتهر على ألسنتهم وفي كتبهم : الضرورات تبيح المحظورات .. الضرورة تقدر بقدرها .. الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف .. يتحمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام .. ومن أجلى مظاهر اليسر في الإسلام انه لم يقم بين الإنسان وخالقه أية واسطة ، كما هو شأن الأديان الأخرى.
(مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ). المراد بالملة الدين. ودين ابراهيم يدخل في الإسلام بجميع أصوله ، وكثير من شريعته وفروعه ، وابراهيم (ع) هو الأب الحقيقي للأنبياء ، والروحي لأهل الأديان السماوية بالنظر الى سبقه وتقدمه ، واتفاق الجميع على نبوته وتعظيمه.