وأنتم في دار الدنيا ، وآمنتم بهذا اليوم ، وتزودتم له لكنتم الآن في أمن وأمان ، ولكن كفرتم به فحقت عليكم كلمة العذاب (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ). الخطاب موجه بظاهره لمن أنكر البعث ، والمراد منه في الواقع كل من عصى الله وأفسد في الأرض ، سواء أجحد البعث من الأساس ، أم آمن به ولم يعمل له. والعبث ما لا فائدة فيه ، ولا حكمة من وجوده ، والله سبحانه منزه عن العبث ، ولو لم يبعث الإنسان بعد الموت ، ويميز الخبيث من الطيب ، ويجز كلا بما يستحق لكان خلق الإنسان عبثا لا جدوى منه (فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ) الملك أي القادر القاهر ، والحق يزهق العبث والباطل ، وإذا كان الحق بالذات هو الذي خلق الإنسان وأوجده فكيف يكون خلقه سدى؟ وكيف يتركه عبثا دون تكليف وحساب ، ودون سؤال وجواب ، أساء أو أحسن؟
(لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) هو الواحد في ملك الكون يدبره ويصرفه بلا شريك في خلقه وتدبيره ، وفي علمه وحكمته ـ اذن ـ فمن اين يأتي العبث والفساد في خلق الإنسان وغير الإنسان؟ (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ). ومن أين يأتي بالبرهان على الشرك ، وكل شيء يدل على انه واحد؟ وكفى دليلا على الوحدانية نظام هذا الكون الذي لا خلل فيه ولا فساد (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) .. وما أنكر هذه الحقيقة إلا من كفر بالبديهيات وجحد جميع الدلائل والبينات ، ومثله يهمل ولا يجادل (فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ) وهو موفيه ما يستحق (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) لأنهم عن الصراط ناكبون.
وكما افتتح سبحانه هذه السورة ب (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) فقد ختمها بهذا الأمر :
(وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ). وهو وحده المسئول ان يسعنا برحمته ومغفرته ، ولا يقطع رجاءنا من منّه وكرمه بالنبي وآله صلوات الله عليه وعلى كل من استنّ بسنته.