الذين رموا عائشة بالخيانة هم جماعة تظاهروا كذبا وزروا بأنهم على ملة الإسلام ، وليسوا منه في شيء .. وقد عز ذلك على النبي وصحابته ، فقال لهم عز وجل : لا تظنوا ان هذا الإفك شر وضرر .. كلا ، بل فيه نفع كثير ، منه تمييز المؤمن الطيب من المنافق الخبيث الذي يحب ان تشيع الفاحشة في الأبرياء ، ومنه ابتلاء رسول الله (ص) وأمته ، فيزيد الذين اهتدوا هدى ، ولا يزيد المنافقين إلا خسارا.
(لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ). ضمير منهم يعود الى أهل الإفك ، والمعنى ان لكل واحد من هؤلاء من العذاب بقدر ما أشاع وأذاع من الكذب والافتراء ، وفي ان تهمة القذف ثبتت على حسّان بن ثابت ومسطح وامرأة من قريش ، فأقام النبي (ص) عليهم الحد ، وجلد كل واحد منهم ثمانين جلدة ، أما عبد الله بن أبي فقد دبر الحملة وأفلت من حد القذف لشدة حذره بعد ان أوقع فيها غيره ، وهو المقصود بقوله تعالى : (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ) في الدنيا بافتضاحه واظهار كيده وزيفه على الناس ، حتى طالب برأسه من أجل ذلك أحد سادة الخزرج ، وأيضا طالب بها احد سادة الأوس ، وألح في طلبها كثير من شباب الأنصار ، ومنهم ابنه بالذات ، أما عذابه في الآخرة فآلم وأعظم.
(لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ). الهاء في سمعتموه تعود إلى الإفك. وبأنفسهم أي ظن بعضهم ببعض لأن بني الإنسان جميعا متكافلون متضامنون ، وبالخصوص المؤمنين فإن الايمان عهد وذمام ، وفي الحديث : المؤمنون كنفس واحدة : وفي الآية ١٠ من الحجرات : انما المؤمنون اخوة. هذا النحو من الاستعمال كثير في القرآن ، منه : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) ـ ٢٩ النساء. ومنه : (فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) ـ ٦١ النور. وتشير الآية الى ان المؤمن حقا لا يجوز له إذا سمع الإفك والباطل ان يسكت عنه. أما القول المشهور : إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب فان المراد به الكلام من غير علم ، وكلام اللغو والباطل كالكذب والغيبة والنميمة.
وتسأل : ان قوله تعالى : (وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ) يدل على ان المؤمن