الكون ، فكل شيء في أرضه وسمائه يدل دلالة صريحة واضحة على وجود الله وعظمته ، وبهذا يتبين معنا انه لا فرق بين ان نقول : السموات والأرض نور الله ، وبين ان نقول : الله نور السموات والأرض ، لأن معنى الجملة الأولى ان عظمة الكون تدل على عظمة الله ، ومعنى الثانية ان عظمة الله تتجلى في عظمة الكون ، فهو تماما مثل قولك : إتقان هذا البناء يدل على مهارة الباني ، ومهارة الباني قد تجلت في إتقان هذا البناء.
(مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ). هذا مثال ضربه الله سبحانه على وضوح الأدلة وظهورها على وجوده ، وانها قائمة في كل جزء من أجزاء الكون ، ويتلخص هذا المثال بسراج وضع في كوة بجدار البيت تحصر نوره وتجمعه ، ولا ينفذ اليه الهواء ، وهذا السراج داخل قنديل من الزجاج الشفاف الصافي الذي يتلألأ كالكوكب المضيء ، أما الزيت الذي فيه فهو من زيتونة لا هي شرقية تصيبها الشمس عند شروقها فقط ، ولا هي غربية تصلها الشمس عند غروبها فقط ، بل هي شرقية غربية لأنها تواجه الشمس صباحا ومساء ، لا يظلها جبل ولا شجر ولا حائط ، ومن هنا جاء زيتها نقيا صافيا ، يكاد يضيء من غير إحراق ، فإذا مسته النار أشرق نوره وتألق (نُورٌ عَلى نُورٍ). نور المصباح ، ونور الزجاج الصافي ، ونور الزيت النقي. وبكلام أخصر زاد المصباح إنارة لنقاء الزيت ، وصفاء القنديل وحصر الكوة لنور المصباح ووقايتها له من تلاعب الأرياح.
(يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) إذا سلكوا السبيل الذي نصبه للهداية لأن الله سبحانه حكيم لا يفعل الشيء اعتباطا ، والذين يهديهم ويثيبهم هم الذين يرون دلائله ويعملون بها ، وقد أشار اليهم في الآية التالية بقوله : (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) الخ. (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ) ومنها هذا المثال البليغ ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيا من حي عن بينة (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) يعلم الجحود العنود لدلائله الساطعة وبيناته القاطعة ، ويجزيه جهنم وبئس المهاد.
(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ). المراد بالبيوت هنا المساجد ،