والأصنام التي تعبدونها أيها المشركون لا تقدر على شيء من ذلك فكيف تكون آلهة؟.
ولما كان هذا الرد حجة واضحة تدمغ المشركين ، ولا تدع لهم مجالا للإنكار والجدال فقد لجأوا الى المناورات والافتراءات (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ). هذا اشارة الى القرآن ، وفاعل افتراه ضمير مستتر يعود الى محمد (ص) ، والهاء تعود الى القرآن .. لما ضاق أعداء الحق بالقرآن ومن أنزل على قلبه قالوا : ألفاظ القرآن وصياغتها من صنع محمد ، أما محتواه من أحكام ومواعظ وقصص وغيرها فهو من أهل الكتاب ، فلقد كانوا يمدون بها محمدا ، وهو بدوره يصوغها ببلاغته ، وينسبها الى الله .. ولا هدف له من وراء ذلك إلا شهوة الرياسة ، وحب التفوق والامتياز على الناس .. والذين ابتدعوا هذه الفرية هم بالذات أصحاب المناصب والامتيازات الذين غلبت عليهم شقوتهم وشهوتهم للسيادة والسيطرة على الفقراء والمستضعفين ، ابتدعوا هذه الفرية وهم على يقين من ان محمدا هو الصادق الأمين ، وان القرآن لا يشبه كلام الآدميين ، فلقد تحداهم به محمد من قبل ، وحاولوا فعجزوا .. ولو صح ان رسول الله (ص) استعان على القرآن بأهل الكتاب لكان الأولى أن يستعين المشركون باليهود ويأتوا بسورة من مثله ، لأن المشركين واليهود قد تحالفوا وتكاتفوا ضد محمد والمسلمين ، ولكن ما ذا يصنعون ، وقد عجزوا عن مقابلة الحجة بالحجة؟ هل ينقادون ويسلمون؟ كيف ، والإسلام يساوي بين السيد القرشي والعبد الحبشي ، ولا يرى فضلا لمخلوق على مثله إلا بالتقوى ، ويحرم الظلم والاستغلال الذي تقوم عليه حياة المفترين والمعاندين؟ .. اذن ، لا وسيلة للاحتفاظ بحياتهم هذه إلا الاشاعات والافتراءات ، والا ان يقال عن محمد (ص) : انه ساحر .. كذاب .. مجنون .. وعن القرآن : انه أساطير الأولين ، جمعها محمد من هذا وذاك.
(فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً). أتوا ظلما عظيما لله ولرسوله ولأنفسهم التي ساقوها الى موارد التهلكة ، وأتوا زورا واضحا بنسبة الإفك الى القرآن .. وكلمة الظلم والزور تشعر بأنهم نسبوا الافتراء الى الرسول الأعظم (ص) وهم يعلمون انهم لكاذبون .. وتجدر الاشارة الى ما يجتره اليوم أعداء الإسلام ، ورددوه قبل اليوم ـ من ان محتوى القرآن مصدره التوراة والإنجيل ـ فهذا امتداد لما قاله الظالمون