هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ). ذكر سبحانه في الآيات السابقة المشركين وأقوالهم عن رسول الله (ص) وما يلاقونه غدا من عذاب الحريق ، وفي الآيات التي نحن بصددها ذكر جل وعز انه يوم القيامة يجمع بين المشركين والذين اتخذوهم شركاء لله ، ثم يسأل سبحانه الفريق المعبود على مسمع ومرأى من الفريق العابد المشرك ، يسألهم : أأنتم غررتم بهؤلاء الضالين ، وقلتم لهم : نحن شركاء لله؟ والغرض من هذا السؤال تبكيت المشركين وتأكيد الحجة التي لزمتهم بلسان الأنبياء والرسل.
(قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ). أجاب الفريق المعبود : تنزهت يا إلهنا وتعاليت عن الشريك .. كيف ندعو الى عبادتنا ونحن نوحدك ونعبدك بصدق واخلاص ، ونخاف عقابك ، ونرجو ثوابك ، ولا نستعين بأحد سواك .. وفي هذا الجواب تقريع وتوبيخ للمشركين تماما كما في السؤال (وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً) ما زال الكلام للفريق المعبود ، ومعناه نحن ما أضللنا المشركين ، ولكن حكمتك يا إله العالمين قضت أن تمهلهم وآباءهم ، وأن تنعم عليهم بطول العمر والأموال والأولاد عسى أن يتوبوا ويستغفروا ، ولكنهم انصرفوا عنك الى الدنيا وملذاتها ، فكانوا من الهالكين بتقصيرهم وسوء اختيارهم.
(فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً). الخطاب من الله للمشركين ، والمعنى كنتم أيها المشركون تقولون : نحن نعبد من نعبد ليشفعوا لنا عند الله ، ويقربونا منه زلفى .. فما ذا رأيتم؟ لقد تبرأوا منكم ، وكذبوكم في أقوالكم وأباطيلكم ، وهذا العذاب ينزل بكم ، ولا دافع يدفعه عنكم أو ناصر ينصركم من الله (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً ، كَبِيراً) ولا شيء أكبر وأعظم من نار جهنم ، وهي الجزاء لكل ظالم ومجرم.
(وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ). نفى المشركون النبوة عن محمد (ص) لأنه يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ، فقال سبحانه ردا عليهم : وأية غرابة في ذلك؟ فجميع الأنبياء من قبله كانوا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ، ومنهم من تعتقدون أنتم أيها المشركون بنبوتهم كإبراهيم وإسماعيل (ع). أنظر تفسير الآية ٧ من هذه السورة. (وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً). المراد بالفتنة هنا الامتحان والاختبار .. ان