ومهما يكن فان محل الشاهد في الآية ان الله لا يدع الظالمين وظلمهم ، وانه ينتقم منهم على أيدي المخلصين أو بأي سبب من الأسباب ولو بعد حين ، وهذا ما نعتقده ونؤمن به ، أما تحقيق المسائل التاريخية ، وغيرها فندعه لأهل الاختصاص إلا إذا كنا على يقين منه.
(فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ) خرج فرعون بخيله ورجله في طلب موسى وأصحابه ، فأدركوهم حين شروق الشمس (فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ) جمع موسى وجمع فرعون رأى كل منهما الآخر (قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) قالوا فزعا وهلعا : لحق بنا العدو ، ولا طاقة لنا به (قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ). قال موسى لقومه : لا تخافوا من فرعون وقوته ، ان الله أقوى وأعظم ، وهو معي وسترون .. وما أتم كلامه حتى أمره الله أن يضرب البحر بعصاه ، ولما ضربه انشق اثني عشر طريقا على عدد الأسباط الاسرائيليين ، وارتفع الماء بين طريق وطريق كالجبل العظيم ، وتجاوز موسى وقومه البحر الى الشاطئ الثاني. وتقدم مثله في الآية ٧٧ من سورة طه.
(وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ). أزلفنا أدنينا ، وثم بفتح الثاء أي هناك ، والمراد بالآخرين جمع فرعون ، والمعنى ان الله سبحانه بعد ان جاوز ببني إسرائيل البحر الى الضفة الثانية ، وأصبحوا بمنجاة وصل جمع فرعون ، وشاهدوا المعجزة الكبرى في وقوف مياه البحر كالجبال ومسالكه الممهدة ، ففرح فرعون وقال لجمعه : انظروا كيف استجاب البحر لرغبتي ، وفتح لي الطريق الى الخارجين على ارادتي ، ثم اقتحموا تلك المسالك ، وساروا في أمان واطمئنان .. وما ان توسطوا البحر حتى انطبق عليهم أجمعين ، ولم ينج واحد منهم بعد ان حذروا كثيرا وأمهلوا طويلا ، ولكن لجوا في طغيانهم يعمهون.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) معجزة خارقة ، وعبرة وعظة (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ). ضمير أكثرهم يعود الى بني إسرائيل الذين أنجاهم الله من فرعون ، لا الى المغرقين كما قال جماعة من المفسرين أخذا بظاهر السياق.