٧ ـ للإنسان حياة اخرى هي ساحة الحكم والجزاء على ما قدمه في حياته الأولى .. الى غير ذلك من النعم التي أشار اليها سبحانه بقوله : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها) ـ ٣٤ ابراهيم.
(يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ). الامام من يؤتم به ، ويؤتمر بأمره وحيا كان أو انسان أو عقلا أو هوى ، وفي الحديث : «يدعى الناس يوم القيامة بإمام زمانهم وكتاب ربهم وسنة نبيّهم». والمراد بالكتاب في الآية كتاب الأعمال ، وأصحاب اليمين هم أهل الطاعات والحسنات ، وأصحاب الشمال هم أهل المعاصي والسيئات ، والمعنى أن المنادي ينادي يوم القيامة : اين اتباع الأنبياء والمصلحين؟ أين العاملون بوحي العقل والدين؟. فيأتون ويأخذون كتاب الحسنات وثوابها بأيمانهم فرحين مستبشرين ، ينادي المنادي وايضا : أين أتباع الظلمة الطغاة وأعوانهم؟ أين الخائنون والمفسدون؟. فيأتون ويأخذون كتاب السيئات وعقابها بشمائلهم أذلاء خاسئين (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً). الفتيل تعبير عن الشيء الحقير التافه ، والمعنى أن الله يجزي كلا بعمله ، لا ينقص من ثواب من أحسن ، ولا يزيد في عقاب من أساء.
(وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) هذه اشارة الى الدنيا ، والأعمى فيها عند الله سبحانه هو الذي يتخبط في الجهالة والضلالة ، وأبلغ وصف له ما قاله الامام علي (ع) : «جائر عن القصد مشغوف بكلام بدعة ، ودعاء ضلالة ، فهو فتنة لمن افتتن به ، وضال عن هدى من كان قبله ، مضل لمن اقتدى به في حياته وبعد وفاته». ويتلخص معنى الآية بأن من ساء عمله في هذه الحياة ساء مصيره في الآخرة. وتدل هذه الآية دلالة واضحة على أن كل ثواب أو عقاب في الآخرة يرتبط ارتباطا كليا ووثيقا بالعمل في الحياة الدنيا ، ومن هنا قيل : الدنيا مزرعة الآخرة ، وكفى دليلا على ذلك قول الرسول الأعظم : «يحشر الناس على نياتهم». انظر تفسير الآية ١٤٢ من آل عمران ج ٢ ص ١٦٥.