إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ). كل الناس يعلمون ان الأب آدم والأم حواء .. ولكن الغرض من قوله تعالى : (خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) ان يعلم الناس ، كل الناس ، انهم اخوة والاخوة سواسية في الحقوق والواجبات ، قوله : (لِتَعارَفُوا) فمعناه ليس القصد من اختلافكم في البلدان والأنساب والألوان أن تتفرقوا شيعا ، وتتناحروا وتتفاخروا بشعوبكم وآبائكم وأجناسكم .. كلا ، وإنما القصد أن تتعاطفوا وتتعاونوا على ما فيه خيركم وصلاحكم .. وأفضل الناس عنده تعالى أخوفهم منه ، وأنفعهم لعباده.
وهذه الآية دعوة من القرآن الكريم إلى أمة انسانية وعالم واحد يجمعه العدل والمحبة ، وهذا العالم أمل الصفوة من المفكرين وحلم المصلحين ، وفي يقيننا ان الاعتراف بحقوق الإنسان سيظل حبرا على ورق ومجرد نظرية إذا لم تتحقق الوحدة الانسانية الشاملة التي دعا اليها القرآن منذ أكثر من ألف وثلاثمائة سنة .. فلقد وقّعت الولايات المتحدة ومعها إسرائيل وثيقة حقوق الإنسان ، ومع ذلك تقترف الأولى جريمة إبادة الجنس البشري في شعب فيتنام والثانية في شعب فلسطين.
أكتب هذه الكلمات يوم ٢٣ نيسان سنة ١٩٧٠ واللجنة الدولية التابعة للأمم المتحدة تحقق في انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان ، وقد سجلت اللجنة في محاضرها ان إسرائيل هدمت في الأراضي المحتلة على المدنيين بيوتهم رجالا ونساء وأطفالا وتركت الجثث تحت الأنقاض ورفضت السلطات الاسرائيلية دفنها ، وانها تعتدي على الأماكن المقدسة والمستشفيات ، وتعذب المواطنين العرب بالنار والكهرباء ، وتستأصل الأعضاء الحساسة من أجساد الكبار ، وتقطع أيدي الصغار وتبقر بطونهم بمرأى من الآباء والأمهات .. الى غير ذلك من الجرائم الوحشية والابادة الجماعية.
(قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ ـ أي لا ينقصكم ـ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). عند تفسير الآية ٨٢ من سورة البقرة ج ١ ص ١٣٨ تكلمنا عن الفرق بين المؤمن والمسلم ، وننقل هنا ما ذكره الدكتور طه حسين حول هذه الآية في كتاب «مرآة الإسلام» لأنه أديب يستشهد بفهمه على أسرار البلاغة قال :