«كان في عهد النبي (ص) مؤمنون ومسلمون ، فما عسى أن يكون الفرق بين الايمان والإسلام؟. أما الايمان فالظاهر من هذه الآية انه شيء في القلب قوامه الإخلاص لله والتصديق بكل ما أوحى الى الرسول في أعماق الضمير ، ونتيجة هذا الايمان الاستجابة لله ولرسوله في كل ما يدعوان اليه من غير جمجمة ولا لجلجة ولا تردد مهما تكن الظروف والخطوب والكوارث والأحداث .. ولازمة أخرى من لوازم هذا الايمان هي الخوف العميق من الله إذا ذكر اسمه والثقة العميقة به إذا جد الجد وازدياد التصديق إذا تليت آياته .. والايمان يزيد وينقص .. أما الإسلام فهو الطاعة الظاهرة بأداء الواجبات واجتناب المحظورات وان لم يبلغ الايمان الصادق .. فمن الناس من يسلمون خوفا من البأس كما أسلم الطلقاء من قريش يوم فتح مكة ، ومنهم من يسلم خوفا وطمعا كالأعراب الذين ذكرهم الله في هذه الآية».
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) المؤمنون حق الايمان هم الذين لا تشوبهم الريبة في عقائدهم ، ويبذلون النفس والنفيس لاحقاق الحق وإبطال الباطل. وتقدم مثله في أكثر من آية ، من ذلك الآية ٨٨ من سورة التوبة ج ٤ ص ٨٢.
(قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ). قالت الأعراب : آمنا. فأجابهم سبحانه : أتخبرون الله بايمانكم ، وهو يعلم السر وأخفى ، وله الاحاطة بكل شيء ، والغلبة على كل شيء. ثم هل يكون الايمان بمجرد الادعاء؟. وكفى بالمرء جهلا ان لا يعرف قدره.
(يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ). المراد بمنّه تعالى لطفه وتفضله ، لأنه نهى عن المن ، وما كان الله لينهي عن شيء ثم يفعله ، والمراد بهدايته الى الايمان الإرشاد الى الحق والترغيب فيه ، والمعنى ان الاعراب ومن على شاكلتهم من أهل الجهل يمنون بدينهم على ربهم ونبيهم ، ويطلبون عليه الثمن .. والله سبحانه هو صاحب الفضل عليهم حيث أرشدهم الى الايمان ورغبّهم فيه على لسان نبيه الكريم ، فعليهم أن يحمدوه شكرا على تفضله وانعامه ، لا ان يمنوا ويطلبوا الثمن ... هذا ،