المعنى :
(وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ). نقبوا في البلاد طافوا فيها ، والمحيص المهرب ، والمعنى كان في الزمان الغابر أمم أكثر حضارة وأقوى عدة وعددا من الذين كذبوك يا محمد ، وكانت لهم صلات مع كثير من البلاد ، كل ذلك وما إليه لم يغن عنهم حين نزل بهم العذاب ، ولم يجدوا من أمر الله مهربا ألا يخشى قومك أن يصيبهم مثل ما أصاب الماضين؟ وتكرر هذا التذكير في آيات كثيرة ، منها الآية ٩ من سورة الروم ج ٦ ص ١٣٢ (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ). ذلك إشارة الى التذكير بهلاك الماضين ، وذكرى تذكرة وعبرة ، وله قلب أي سليم ، وألقى السمع أي استمع وأصغى الى ما يتلى عليه من العظات ، وشهيد حاضر القلب والعقل ، والمعنى ان الذي ذكرناه عن هلاك المكذبين عظة كافية شافية لمن أبصر واعتبر. (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ) أي تعب ، والأيام الستة كناية عن الدفعات أو عن تطور الكون من حال الى حال. انظر تفسير الآية ٥٤ من سورة الأعراف ج ٣ ص ٣٣٨.
(فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) من الأباطيل والسفه ، فإن العاقبة لمن صبر صبّر الأحرار (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) اشارة الى صلاة الفجر (وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) صلاة العصر (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ) صلاة المغرب والعشاء. وتقدم مثله في الآية ١٢٩ من سورة طه ج ٥ ص ٢٥٤ (وَأَدْبارَ السُّجُودِ) إشارة الى التعقيب والصلاة النافلة بعد الانتهاء من الفريضة (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ). الخطاب في استمع لرسول الله (ص) ، ويوم ينادي على حذف مضاف أي استمع لما نوحيه اليك من حديث يوم النداء ، لا نفس النداء ، والمراد بالمكان القريب ان النداء يسمعه الجميع حتى كأن المنادي قريب منهم على الرغم من ان الصيحة تأتي من السماء ، وبهذا يتبين وجه الجمع والتوفيق بين هذه الآية وبين قوله تعالى : (أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) ـ ٤٤ فصلت. والمعنى استمع لما نحدثك به يا محمد عن صيحة البعث