للحساب والجزاء ، وهذه الصيحة بعيدة بالنظر الى أنها تأتي من السماء وقريبة بالنظر الى انها تصل الى كل سمع حتى إسماع الموتى ، فيخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر : (هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) ـ ٣٠ يونس.
(إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ). الحياة والموت بيد الله ، واليه مصير الخلائق. وتقدم مثله مرارا ، من ذلك الآية ٥٦ من سورة يونس (يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ). تنشق الأرض عن الأولين والآخرين فيخرجون من قبورهم مسرعين ، وهم أكثر عددا من النمل والرمل ، وأحسنهم حالا من وجد لقدميه موضعا ، ولنفسه متسعا كما قال الامام علي (ع).
(نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ) من تكذيب الرسول ونفي البعث (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ). فتجبرهم وترغمهم على الايمان بالله واليوم الآخر ، انما أنت مذكر (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ). ومن لا يخاف أيضا لإلقاء الحجة عليه ، وإنما خص سبحانه الخائف بالذكر للاشارة إلى أنه هو الذي ينتفع بالتذكير دون غيره ، ومثله : (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى) ـ ٩ الأعلى. فقوله تعالى : (وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى) دليل قاطع على ان الأمر بالتذكير عام ، نفعت الذكرى أم لم تنفع.