وتسأل : وما ذا تصنع بالحديث القدسي : «كنت كنزا مخفيا فأردت ان أعرف فخلقت الخلق فبي عرفوني» فإنه يدل بوضوح على ان الغاية من الخلق هي معرفة الله؟.
الجواب : ان هذا الحديث يتفق تماما مع التفسير الذي ذكرناه لأن من عرف الله حق المعرفة استغنى بعبادته عن عبادة الناس والجاه والمال ، وعمل لمرضاته وجنته.
(ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ). وكأنه تعالى علوا كبيرا يقول : ما خلقت الخلق لأستغلهم في مصانعي وحقولي ، ولا لأتخذ منهم سوقا لتصريف سلعي وبضائعي ، ولا لأحارب بهم من يزاحمني على الاستغلال والاحتكار ، كلا ان الله غني عن العالمين ، وانما خلقتهم ليعملوا يدا واحدة لخيرهم أجمعين ، ويجاهدوا من يحاول الاعتداء على حريتهم وكرامتهم ، وينتهب أموالهم وأرضهم وديارهم (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ). ومعنى الله هو الرزاق انه تعالى خلق الأرض للإنسان معاشا ، وزوده بجميع الأدوات التي تمكنه من استثمارها من أجل حياته كالعقل والقوة والسمع والبصر ، وقال له : اعمل لدنياك وآخرتك ، ولا تعتد ان الله لا يحب المعتدين ، تماما كما لو أعطيت ولدك مالا ، وقلت له :
تاجر به لمعاشك ، وكن أمينا في معاملتك.
(فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ). المراد بالظالمين هنا الطغاة المترفون الذين كذّبوا رسول الله (ص) والمعنى ان نصيب هؤلاء من العذاب تماما كنصيب الأمم السابقة الذين كذبوا الرسل (فَلا يَسْتَعْجِلُونِ) العذاب الذي هو نازل بهم لا محالة ... وما أقرب اليوم من الغد (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) به ويستعجلون مجيئه ... فكم من مستعجل أمرا ودّ ـ حين مجيئه ـ انه لم يكن.