بينهما سوى مقدار قوسين بل أقل من ذلك. والمعروف ان جبريل كان يأتي النبي (ص) في صورة دحية الكلبي.
٥ ـ (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى). الضمير المستتر في أوحى يعود الى الله لا إلى جبريل ، لأن الضمير البارز في عبده يفسر الضمير المستتر ، والمراد بعبده أي عبد الله هو محمد (ص) ، والمعنى ان جبريل بعد أن عاد إلى الصورة التي كان يلقى بها النبي (ص) ودنا منه ، بعد هذا أوحى الله على لسان جبريل إلى عبده محمد أمورا هامة.
٦ ـ (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى). معناه ان رسول الله (ص) رأى جبريل ببصره وقلبه تماما كما خلقه الله ، فلا العين أخطأت فيما رأت ، ولا القلب شك فيما رأت العين بل أيقن وجزم بصدقها (أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى)؟. الخطاب للمشركين ، والمعنى أتكذبون محمدا وتجادلونه فيما رأت عيناه وآمن به قلبه وعقله ، وهو من عرفتم صدقه وأمانته ، وعقله واتزانه؟.
٧ ـ (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى). الضمير المستتر في رآه يعود إلى رسول الله (ص) ، والهاء إلى جبريل ، والنزلة المرة من النزول ، والمراد بسدرة المنتهى مكان الانتهاء والحد الأقصى الذي يبلغ اليه مخلوق حتى ولو كان من الملائكة.
وقال جماعة من المفسرين : ان في السماء السابعة شجرة تقع عن يمين العرش ، وتسمى هذه الشجرة بسدرة المنتهى! ... وهذا القول يفتقر إلى دليل ، ومهما يكن فنحن غير مسؤولين عن معرفتها بالضبط ما دام الله سبحانه قد سكت عن التحديد. والذي نفهمه من الآية مع ملاحظة ما جاء في سورة الإسراء ـ ان جبريل (ع) حمل النبي (ص) ليلة المعراج ، وطاف به في السموات حتى انتهى به المطاف إلى الحد الأقصى الذي عبّر عنه سبحانه بسدرة المنتهى ، فوقف عنده ولم يتجاوزه إلى غيره لجهة العلو ، أما جنة المأوى فقد تضاربت الأقوال في تفسيرها ... والظاهر انها جنة الخلد التي جعلها الله ثوابا للمتقين بدليل قوله تعالى : (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) ـ ٣٩ النازعات فإن القرآن ينطق بعضه ببعض.