وأغناه عن الحاجة الى غيره ، وأعطى البعض الآخر ما يقتني ويدخر زيادة على ما يكفيه أي هيأ له أسباب الغنى والقنية. وقال أحد العارفين : من ذاق طعم الغنى عن الناس فقد حصل على نصيب وافر من الغنى ، وان في ذلك لشرفا عظيما.
(وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى) بكسر الشين وتشديدها ، وهي نجم مضيء ، وخصها سبحانه بالذكر لأن بعض أهل الجاهلية كانوا يعبدونها ، وقيل : انها أضخم من الشمس بعشرين مرة ، وانها تبعد عن الشمس مقدار مليون ضعف بعد الشمس عنا (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى) وهم قوم هود ، وتقدم الكلام عنهم مرات ، ووصفهم سبحانه بالأولى بالنسبة الى من تأخر عنهم من الأمم ، وقال صاحب مجمع البيان : بل لأن ثم عادا أخرى (وَثَمُودَ فَما أَبْقى) منهم أحدا ، وهم قوم صالح ، وأيضا سبق الكلام عنهم وعن قوم نوح الذين أشار اليهم سبحانه بقوله : (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى) من عاد وثمود (وَالْمُؤْتَفِكَةَ) قرى قوم لوط (أَهْوى) بها الى بطن الأرض (فَغَشَّاها ما غَشَّى) من العذاب (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى). الخطاب لكل انسان ، والآلاء النعم ، وتتمارى تشك وتجادل.
(هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى). قال أكثر المفسرين : ان «هذا» اشارة الى القرآن أو محمد (ص). وليس من شك ان كلا من القرآن والرسول الأعظم هما من النذر الأولى من نوعها وصفاتها. ومع هذا فإن الذي نفهمه ان الله سبحانه أشار ب «هذا» الى ما ذكره من الدلائل والعظات التي تضمنت أمورا هامة جديرة بالتأمل والدراسة كمسألة ان كل انسان هو وحده المسئول عن جرمه وجريرته ، وان الله ينظر اليه من خلال عمله ، وانه لا مصدر للحياة إلا الله ، وان مصير الطغاة الى الهلاك ، وهذه وما اليها من أهم موضوعات العلوم الكونية والانسانية ، وإذا ذكرها سبحانه ليستدل الإنسان على وجود الله وعظمته فإن ذكرها بالذات يومئ الى ان معانيها وأهدافها انما تتجلى للعلماء وانهم أحق الناس بمعرفة الله والايمان به والخوف منه : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) ـ ٢٨ فاطر.
(أَزِفَتِ الْآزِفَةُ). أزفت دنت ، والآزفة الدانية ، والمراد بها الساعة ، وانما وصفها سبحانه بالدانية لأنها آتية ، وكل آت قريب .. وكل ما أدبر كأنه ما كان (لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ كاشِفَةٌ) ضمير «لها» يعود الى الآزفة أي الساعة ، ولك أن تفسر الكشف بالعلم كقوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها