ان الناس في الحياة الدنيا بين مصدق ومكذب بأمر الآخرة ، أما إذا جاءت ووفيت كل نفس ما كسبت فعندئذ تعترف ولا تكذب .. كيف والآخرة (خافِضَةٌ رافِعَةٌ). تخفض المجرمين ، وترفع المتقين (إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا). يشير سبحانه بهذا الى خراب الكون ، فالأرض تدمرها الزلازل ، والجبال تتحول الى غبار.
(وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً). يجمع الله الناس يوم القيامة ، ويجعلهم ثلاثة أصناف : ١ ـ (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ). وهم الذين يعطون غدا كتبهم بإيمانهم ، قال تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) ـ ٢٠ الحاقة. وهذا الصنف وان كان من الناجين ، ولكنه دون الصنف الثالث.
٢ ـ (وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ). وهم الذين يعطون كتبهم بشمالهم ، قال سبحانه : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ) ـ ٢٧ الحاقة.
٣ ـ (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ). أطلق سبحانه هنا السبق ولم يبين الى شيء يسبقون ويسرعون ، ولكن بينه في مكان آخر : (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ) ـ ٦١ المؤمنون فالسابقون ـ اذن ـ هم الذين يؤمنون بالله وحده لا شريك له ، وباليوم الآخر ، ولا يتوانون عن طاعته خوفا من غضبه وعذابه ، ويضحون بالغالي في سبيله طلبا لمرضاته وثوابه (أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ). لهم الحظ الأوفر من التقريب الى جلاله تعالى ، والنصيب الأكبر من نعيمه.
(ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ). السابقون الذين لهم عند الله المنزلة العليا هم جماعة كثيرة من الأولين ، وقليلة من الآخرين .. واختلف المفسرون في من هم الأولون والآخرون في هذه الآية؟. فقال فريق منهم : ان المراد بالأولين من آمن وسبق الى الخيرات قبل محمد (ص). وقال الفريق الآخر : ان كلا من الأولين والآخرين من أمة محمد (ص) .. وفي رأينا ان الأولين اشارة الى عصر