تعالى أن يرى المنافقون غدا نور المهتدين وهو يسعى بين أيديهم كي يزدادوا ألما على ألم ، ثم يتضاعف الألم حين يستغيث المنافقون بالمؤمنين ، ويسألونهم أن يسيروا على نورهم (قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً). هذا هو جواب استغاثتهم : ارجعوا الى صاحبكم الشيطان ، واقتبسوا منه نورا ، فهو وراءكم اليوم كما كان وراءكم بالأمس .. ان هذا النور لمن عمل في دنياه لآخرته ، أما من اشترى الحياة الدنيا بالآخرة فما هو بخارج من الظلمات إلا إلى ما هو أشد.
(فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ). ضمير بينهم يعود الى المؤمنين والمنافقين ، والمراد بالسور الحاجز ، والمعنى ان الله أنعم على المؤمنين بالجنة ، وانتقم من المنافقين بعذاب النار ، وبين الجنة والنار حاجز ، له جانبان : باطن غير منظور ، وهو يلي المؤمنين ، وظاهر منظور وهو يلي المنافقين وغيرهم من المجرمين ، والأول فيه الجنة ، والثاني من جهته جهنم
(يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ)؟ يقول المنافقون للمؤمنين بلسان الحال أو لسان المقال ، يقولون لهم : كنّا في الدنيا نصوم ونصلي ونفعل ما تفعلون فلما ذا دخلتم الجنة ، ودخلنا النار؟ (قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ). أجابهم المؤمنون : أجل ، كنتم معنا وصمتم وصليتم مثلنا ، ولكن أهلكتم أنفسكم بالكذب والنفاق (وَتَرَبَّصْتُمْ) الدوائر بالمؤمنين (وَارْتَبْتُمْ) برسول الله وأقواله (وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ) حين ظننتم أن خداعكم ونفاقكم يمر بسلام ومن غير حساب وعقاب (حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ) وهو لقاؤه تعالى وحسابه وجزاؤه (وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) وصدقتم الشيطان في وعده بسلامتكم من غضب الله وعذابه.
(فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ) ولا تقبل منكم توبة ولا مهرب لكم من العذاب : (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) ـ ٩١ آل عمران. (وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا). وأيضا لا تقبل الفدية والتوبة من الذين أظهروا الكفر وجاهروا به ، ولم يخادعوا وينافقوا كما خادعتم ونافقتم (مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ). أبدا لا مقر ولا ناصر لكم إلا جهنم (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) مصيركم ومآلكم.