لئلا : «لا» زائدة أي ليعلم. ان لا يقدرون «ان» مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي انهم لا يقدرون. وأن الفضل عطف على ان لا يقدرون.
المعنى :
(لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ). كل ما تعرف به الحقيقة فهو ميزان سواء أكان وحيا أم عقلا أم حسا كالتجربة والمشاهدة ، وعليه يكون عطف الميزان على الكتاب من باب عطف العام على الخاص مثل قوله تعالى : (وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ) ـ ٨٤ آل عمران. والمعنى ان الله أرسل الأنبياء بالحجج الدالة على نبوتهم ورسالتهم ، وبما يهدي الناس الى الحق والعدل ليستقيموا على صراطه القويم.
(وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ). قال المفسرون القدامى عند تفسير هذه الآية : ان الحديد قوة في الحرب يتخذ الناس منه سيفا للضرب ، ودرعا للدفاع ، وأيضا يتخذون منه السكين والفأس والابرة ، وما هذه الأمثلة إلا انعكاس لعصرهم وحياتهم ، ولو كنا في زمانهم لمثلنا بأمثلتهم ، ولو كانوا في زماننا لقالوا : ان الحديد هو عصب الحياة في شتى النواحي ، فمنه وسائل المواصلات برا وبحرا وجوا ، والأدوات التي لا غنى عنها لغني أو فقير ، وبه تقوم الجسور والعمارات والسدود والخزانات ، ولولاه لما عرف الناس الكهرباء والبترول ، وهو الأساس لكثير من العلوم الحديثة ، بل هو كل شيء في المعامل والمصانع التي تقوم عليها حضارة القرن العشرين.
(وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ) أي وينصر تعاليم رسل الله ، وان لم يشاهدهم بالذات .. وكل شيء في هذه الحياة فيه جهتان : ايجابية وسلبية ، منفعة ومضرة ، وإذا كان للحديد هذه المنافع في خدمة الإنسان فإن فيه أيضا الاستعداد التام للقضاء على الإنسان وهلاكه ، فلقد كانت القتلى قبل اكتشاف الحديد تعد بالعشرات في الحروب فأصبحت اليوم تعد بالملايين .. وما القلق والاضطراب والخوف الذي يعيش فيه الشرق والغرب ، ولا الدماء التي تجري أنهرا في