(وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها). إلا هنا بمعنى لكن ، وفي الكلام تقديم وتأخير ، ومعناه ان هذه الرهبانية ما أنزل الله بها من سلطان ، ولكن رؤساء النصارى ابتدعوها من عند أنفسهم زاعمين انها تقربهم من الله زلفى لأنها عزوف عن الدنيا وملذاتها .. وعلى الرغم انه تعالى ما أمرهم بها ، وانه أحل لهم الزينة والطيبات من الرزق فإنهم لم يلتزموا بما ألزموا به أنفسهم من الزهد ، بل اتخذوا منها وسيلة للشهرة وتولي المناصب .. وتدل هذه الآية على انه لا رهبانية في الإسلام ، ولا في الديانة التي جاء بها السيد المسيح.
(فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ) وهم العيسويون حقا وصدقا الذين يعتقدون قولا وعملا ان المسيحية محبة ورحمة ، ونزاهة وانسانية ، لا تعصب وأحقاد ، ولا ظلما واستغلالا ، ولا حروبا وانقلابات ، ولا اثارة الفتن والنعرات ، ولا قنابل ذرية وأسلحة كيماوية ، ولا شعارات كاذبة للدفاع عن الحرية ، ولا نشر الهلع والقلق والخوف في قلوب عباد الله وعياله (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ). وفي طليعتهم قادة الاستعمار الجديد وأعداء الانسانية رقم (١) الذين تنطبق عليهم جميع الصفات التي سلبناها عن العيسويين حقا وصدقا.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ). أي يا أيها الذين اعترفوا بالله ورسوله اعملوا بموجب اعترافكم ، ولا يكن عملكم مكذبا لأقوالكم (وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ). أطيعوا محمدا (ص) وسيروا على نهجه وهديه (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ). الكفل النصيب ، والمراد بالرحمة هنا الثواب ، والمعنى من آمن بالله ورسوله وعمل بموجب إيمانه فله عند الله ثوابان : ثواب على إيمانه ، وثواب على العمل بموجبه. (وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ) يوم القيامة ، ومن لم يجعل الله له في هذا اليوم نورا خبط سادرا في ظلمات لا يخرج منها إلا الى ما هو أعظم وآلم.
(وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يغفر ما أسلفتم من المعاصي لأنه هو الغفور الرحيم. قال ابن عربي في الفتوحات : «ما قرن سبحانه المغفرة بتوبة ولا بعمل صالح فلا بد من شمول الرحمة والمغفرة لمن أسرف على نفسه». ولا يكثر شيء على رحمته التي وسعت كل شيء (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ