المعنى :
بعد أن بيّن سبحانه منزلة المهاجرين بيّن منزلة الأنصار بقوله :
١ ـ (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ). المراد بالدار هنا المدينة المنورة ، وتبوأوها أي سكنوها واستوطنوها ، والمعنى ان الأنصار ، وهم أهل المدينة آووا النبي ومن هاجر معه ، وقاموا بواجب الضيافة على أكمل وجه ، وأخلصوا للمهاجرين وواسوهم بأنفسهم بل وآثروهم عليها كما تأتي الاشارة ، ومن الآيات التي نزلت في فضل الأنصار قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) ـ ٧٤ الأنفال.
٢ ـ (وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا). كان المهاجرون في بدء الأمر أفقر الناس في المدينة يلاقون فيها المشقة والجهد : ولو لا الأنصار لهلكوا جوعا ، وكان النبي (ص) يعطي الصدقات للفقراء ولا يعطي منها الأغنياء والقادرين على الكسب ، ولذا كان يفضل المهاجرين على الأنصار في العطاء ، وربما خصهم بالغنيمة من دونهم ، وكان الأنصار يرضون عن ذلك ويرون انه الحق ، فسجل سبحانه لهم هذه المنقبة في كتابه العزيز.
٣ ـ (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ). والإيثار على النفس مع الحاجة لا يعادله شيء إلا التضحية بالنفس. وفي التفاسير وكتب الحديث : ان رسول الله (ص) قال للأنصار عند تقسيم بعض الغنائم : ان شئتم أن تكون هذه الغنيمة بينكم وبين المهاجرين على أن تشاركوهم في أموالكم ، وان شئتم كانت لكم أموالكم ، ولهم هذه الغنيمة وحدهم. فقال الأنصار : بل نترك لهم الغنيمة ونقسم لهم من أموالنا يا رسول الله. فدعا النبي (ص) لهم وقال : اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). الشح من أمهات الرذائل ، فمن استجاب له عاقه عن كل خير ، ومن تغلّب عليه ونزّه نفسه عنه فقد وقاها من الأسواء والمخاطر.
(وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ). الضمير في بعدهم يعود الى المهاجرين والأنصار معا ، والمراد بالذين جاءوا من بعدهم كل من سار بسيرتهم الى يوم القيامة ، ولا وجه للتخصيص