بالتابعين لأن العبرة بالأعمال لا بالأمكنة والأزمنة ، وما بلغ الصحابة الى منزلة الكرامة عند الله إلا لأنهم استمعوا القول فاتبعوا أحسنه (وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا). مستحيل أن يجتمع الايمان والغل على المؤمن في قلب واحد .. كيف؟ وهل يغل الإنسان ويحقد على نفسه (رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) بعبادك الذين نزّهوا دينهم وقلوبهم عن الغل والنفاق.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ). المراد بأهل الكتاب هنا بنو النضير ، وهم اخوة المنافقين في الكفر وعداوة الرسول ، وتشير الآية الى حادثة معينة ، وهي ان النبي (ص) حين أعلن الحرب على بني النضير قال لهم المنافقون ، وعلى رأسهم عبد الله بن أبي : قاتلوا محمدا واصمدوا له ونحن عليه معكم ، ان قاتلكم قاتلناه ، وان أجلاكم عن المدينة نزحنا عنها معكم ، ولا نصغي لقول محمد وغيره (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) في أقوالهم ومواعيدهم (لَئِنْ أُخْرِجُوا ـ أي بنو النضير ـ لا يَخْرُجُونَ ـ أي المنافقون ـ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ). هذا هو شأن المنافق يخالف لسانه قلبه ، وقلبه فعله ، وعلانيته سره (ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) ولا ينتفعون بمكر ولا نفاق.
(لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ). يخاف المنافقون من بأس المؤمنين لأنهم يتوقعون عاجل الشر في الدنيا ، ولا يتوقعون آجل العذاب في الآخرة (لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ). اليهود لا يجابهون المؤمنين وجها لوجه في ميدان القتال ، بل يقبعون في أحيائهم وقراهم ويتسترون وراء الحصون والجدران ، ويرشقون المؤمنين بالنبال والأحجار ، كما هو شأن الجبان الخائر.
(بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى). انهم أقوياء في عدتهم وعددهم ، ولكن المصالح والأهواء فرقت بينهم ، فهم منحلون متخاذلون ، وان تظاهروا بالألفة والمحبة .. ولو انهم توادوا وتآزروا لبرزوا إليكم وقابلوكم في ميدان القتال أيها المسلمون ، ولم يقاتلوكم في قرى محصنة أو من وراء جدار.