تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ). ومن باء بغضب الله فقد هوى الى عذاب السعير. وقال كثير من المفسرين : ان جماعة من الصحابة كانوا قبل ان تتهيأ أسباب الأمر بالقتال يتمنون ان يفرض عليهم ، فلما تهيأت أسبابه وفرض عليهم تثاقل فريق منهم ، فنزلت فيهم هذه الآية. وليس هذا ببعيد لأن السياق يومئ اليه حيث قال سبحانه بلا فاصل : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) أي محكم ثابت كأنه بني بالرصاص ، ونقل عن علماء الآثار انهم عثروا على أبنية قديمة بنيت بالرصاص ، وقال تعالى حكاية عن ذي القرنين : (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) ـ ٩٦ الكهف والقطر الرصاص أو النحاس المذاب .. ومن نافلة القول : ان الله سبحانه يحب تماسك الجماعة وتعاضدها في كل ما يعود عليها بالخير والصلاح.
(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ). هذا السؤال يحمل جوابه معه لأن بني إسرائيل هم قتلة الأنبياء بنص كتابهم المقدس عندهم ، فقد جاء في سفر نحميا اصحاح ٩ آية ٢٦ ما نصه بالحرف : «وعصوا وتمردوا عليك ـ أي على الله ـ وطرحوا شريعتك وراء ظهورهم وقتلوا أنبياءك الذين أشهدوا عليهم ليردوهم اليك ، وعملوا اهانة عظيمة». أما القرآن الكريم فقد سجل عليهم قتل الأنبياء في أكثر من آية. ولو ان قائلا يقول : لا شيء أدل على نبوة موسى من اساءة بني إسرائيل اليه ، وهو منقذهم والمحسن اليهم ، وعلى نبوة عيسى من أقدامهم على صلبه ، لو قال هذا قائل لكان لقوله وجه وجيه.
أما إساءة بني إسرائيل الى موسى فهي على ألوان ، قالوا له : أرنا الله جهرة. وقالوا له: فاذهب أنت وربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون. وقالوا له : اجعل لنا إلها كما لهم آلهة. وقالوا له: لن نصبر على طعام واحد .. الى غير ذلك. (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ). وهذه الآية تنص بصراحة على ان الله سبحانه لا يزيغ أحدا إلا إذا زاغ هو بسوء اختياره ، ولا يهين مخلوقا ويهلكه إلا إذا هو عرض نفسه للهلكة والهوان .. فلا فرق أبدا بين معنى هذه الآية ومعنى قول القائل : من طمع بالحرام أذله الله وأخزاه ، ومن اقتنع بالحلال أعزه وأغناه .. وبهذه الآية نفسر الآيات التي نسبت بظاهرها الإضلال الى الله مثل (يُضِلُّ مَنْ