بعد أن حذر سبحانه من بعض الأزواج والأولاد لأنهم يفعلون ما يفعله العدو ـ قال : ان تعفوا عنهم رحمة بهم وطمعا في إصلاحهم فإن الله تعالى يعاملكم بالمثل لأنه يرحم من يرحم ، ويغفر للذين يغفرون حيث تحسن الرحمة والمغفرة بلا ريب ، وإلا فان بعض الذنوب لا يجوز تجاهلها بحال. وتومئ الآية الى ان حياة الأسرة لا تستقيم إلا بالصبر والعفو عن كثير ، وانه لو حاسب كل واحد من أبنائها الآخر على كلمة يقولها أو حركة تبدر منه لساد بينهم التنازع والتخاصم وعاشوا في جحيم.
(إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ). كل ما شغفت به وضدك عما انت مسؤول عنه دنيا وآخرة فهو فتنة ، مالا كان أو ولدا أو زوجة أو جاها أو فنا وما اليه ، وانما خص سبحانه بالذكر الأموال والأولاد لأنها أعظم فتنة من غيرها ، ومهما عظمت ملذات الدنيا فإن الذي عند الله خير وأبقى. وتقدم مثله بالحرف في الآية ٢٨ من سورة الأنفال ج ٣ ص ٤٦٩.
وفي تفسير الطبري وغيره : ان رسول الله (ص) كان يخطب فجاء الحسن والحسين ، وعليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان ، فنزل الرسول وأخذهما ورفعهما في حجره ، ثم قال : صدق الله العظيم : انما أموالكم وأولادكم فتنة ، رأيت هذين فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما. ثم أخذ يخطب.
(فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ). ابذلوا جهد المستطاع في صيانة أنفسكم عن الفتنة والابتعاد عن محارم الله ، ولا ترتكبوا شيئا منها حرصا على الأموال أو إيثارا للأولاد .. وذهب البعض إلى ان قوله تعالى : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) ـ ١٠٢ آل عمران فيه تشديد ، وان قوله : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) فيه تخفيف ، ثم رتب على ذلك ان قوله : (مَا اسْتَطَعْتُمْ) ناسخ لقوله : (حَقَّ تُقاتِهِ) أما نحن فلا نرى أي فرق بين الآيتين لأن على الإنسان أن يتقي غضب الله ما استطاع ، ولا شيء عليه فيما لا يستطيع. أنظر ج ٢ ص ١٢٢.
(وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا). اسمعوا دعوة الله ورسوله ، وراعوها بالطاعة والتقوى ، وأنفقوا الفضل من أموالكم في سبيل الله يكن ذلك (خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ) أي (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) ـ ٧ الإسراء. (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). إن بذل المال والنفس طريق الى الفلاح والنجاح ،