(وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً). يدل هذا على ان النبي (ص) بشر يسرّ إلى أزواجه كما يسرّ الناس إلى أزواجهم ، وانه لا يمتاز عنهم إلا بنزول الوحي عليه ، والعصمة عن محارم الله وكل ما يشين. أنظر ج ٥ ص ٢١٣ فقرة «حقيقة النبوة» (فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ). ضمير «به» وأظهره وبعضه يعود إلى الحديث الذي أسره النبي (ص) إلى بعض أزواجه ، والضمير المستتر في نبأت يعود إلى حفصة ، والضمير في عرّف يعود إلى النبي (ص) ، والمعنى ان حفصة أفشت سر النبي على الرغم من وصيته لها بالكتمان ، ولما أذاعت وأفشت أخبر الله نبيه الكريم بخبرها ، فأطلعها النبي (ص) على بعض ما أفشت ، وأعرض عن بعضه رفقا بها .. وفيه إيماء الى انها تجاوزت الحد في الإفشاء (فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا). سألته من الذي أخبره بخبرها (قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ) الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
(إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما ـ أي مالت إلى الحق ـ وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ). ضمير عليه يعود إلى رسول الله ، وضمير تتوبا وتظاهرا وقلوبكما إلى عائشة وحفصة ، كما في كتب التفسير والحديث ، ونختار منها أربعة : اثنين من التفسير واثنين من الحديث ، فقد جاء في تفسير الطبري ما نصه : «قوله تعالى : (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ) يقول تعالى ذكره للتي أسر اليها النبي (ص) حديثه ، والتي أفشت اليها حديثه ، وهما حفصة وعائشة ، وبنحو ما قلنا قال أهل التأويل». وقال الرازي ما نصه أيضا : «ان تتوبا الى الله خطاب لعائشة وحفصة». وقال البخاري في الجزء السادس من صحيحه بعنوان «سورة التحريم» : «سأل ابن عباس عمر بن الخطاب : من اللتان تظاهرتا على النبي (ص) من أزواجه؟ فقال : تلك حفصة وعائشة» ومثله في القسم الثاني من الجزء الأول من صحيح مسلم بعنوان «باب في الإيلاء واعتزال النساء». وفيه أيضا سؤال آخر حول تتوبا ، قال مسلم في الباب المذكور :
«سأل ابن عباس عمر : من المرأتان من أزواج النبي (ص) اللتان قال لهما ان تتوبا فقد صغت قلوبكما؟ قال عمر : هي حفصة وعائشة».
وعلى هذا يكون معنى الآية ان عائشة وحفصة قد تعاونتا على النبي (ص) ، وأساءتا اليه بإفشاء سره على الرغم من وصيته بالكتمان ، وان الله سبحانه قد أمرهما