قد امتنع عن شيء أحله الله له لسبب من الأسباب ، وانه قد أسر بذلك الى بعض أزواجه ، وأمرها بالكتمان ، ولكنها خالفت وأفشت ، فعاتب الله سبحانه نبيه الكريم على امتناعه عما أحل الله له ، وهدد أزواجه اللائي لا يستمعن الى أمره.
المعنى :
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ). الخطاب لرسول الله ، والمراد بالتحريم هنا مجرد الامتناع والالتزام بالترك لتطييب خاطر من تحسن العشرة معه ، تماما كما لو ألزمت نفسك بترك الدخان إرضاء لزوجتك التي يؤذيها ذلك ... فليس المراد بالتحريم هنا التحريم الشرعي .. مستحيل .. كيف وكتاب الله الذي نزل على قلب محمد (ص) يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) ـ ٩٠ المائدة. ويقول أيضا : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) ٥٨ يونس.
وقيل : ان الشيء الذي حرمه النبي (ص) على نفسه هو العسل وانه قصد بذلك مرضاة زوجته حفصة حيث ساءها أن يشرب النبي (ص) العسل عند زوجته زينب بنت جحش ، فطيّب قلب حفصة بالامتناع عن شرب العسل. (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ). العفو والغفران من الله سبحانه لا يستدعي وجود الذنب ، فكثيرا ما يكون تعبيرا عن ثوابه ورحمته ، وقد كان الأنبياء يطلبون من الله الصفح والمغفرة ، ومثله : (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) ـ ٤٣ التوبة.
(قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ). قيل : ان النبي (ص) كان قد حلف على ترك شيء أحله الله له ، فأمره سبحانه أن يدع يمينه ويكفّر .. وفي رأينا ـ والله أعلم ـ ان النبي (ص) لم يحلف ، ولكنه وعد بالترك ، ووعد المعصوم يجب الوفاء به على كل حال ، سواء أكان الموعود به مندوبا أم مباحا ، لأن وعده أقوى وأعظم من يمين غيره ومن ثم يصح ان يطلق اليمين على وعده. (وَاللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ). الله يتولى امور النبي والمؤمنين ، وينصرهم على المتآمرين ، وهو اعلم بالحكمة والمصلحة التي على أساسها يشرع احكام اليمين وغيرها.