في هذه الحياة الفانية فأولى له أن يعمل لسعادته في الحياة الباقية ، وأن يقيه ما هو أشد وأعظم من غدرات الزمان وضرباته .. ولكن .. ما يصنع الأب المؤمن مع هذا الجيل الجديد الذي يريد من الآباء أن يخضعوا لأمره ، وينزلوا على رأيه؟
(عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ) على الجفاة الطعام الذين طغوا وبغوا في الحياة الدنيا على عباد الله وعياله (لا يَعْصُونَ ـ أي الملائكة الغلاظ ـ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ). يسرعون الى طاعة الله من غير توان ، وهو يقول لهم مشيرا الى كل سفاح اثيم : (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ) ـ ٣١ الحاقة. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). ان هذا اليوم يوم حساب وجزاء على الأعمال ، لا يوم توبة ومعذرة ، وبأي شيء يعتذر الذين تدور مصانعهم ليل نهار لإنتاج الموت والدمار؟
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ). عسى من الله معناها الوجوب والتوبة النصوح هي الصادقة في الاقلاع الخالصة لوجه الله وحده ، وهي مبسوطة لكل من أذنب وأساء ، وأيضا هي حسنة عظمى تجبّ ما قبلها من السيئات ، وتستوجب ثواب الله وجنانه (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ). هذا تعريض بأعداء النبي ، وانه مخزيون دنيا وآخرة ، والا فمن الذي يتصور ان الله يخزي محمدا يوم القيامة ، وقد كانت حياته في الدنيا رحمة للناس أجمعين.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). تقدم مثله في الآية ١٢ من سورة الحديد (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ). أبدا .. لا رأفة ولا هوادة مع الطغاة اللئام .. ولا شيء لهم عند الحق والعدل إلا السيف ، وأي شرع وقانون يرحم ويتساهل مع الذين يستهينون بحياة الناس ، وينشرون الرعب والذعر في القلوب ، ويقولون : من لم يكن معنا وعبدا لنا فهو علينا وعدو لنا .. وما له عندنا إلا السلاح الجهنمي؟. وبالتالي ، فإن الرحمة والرأفة هي القضاء على العدوان وأهله .. والله سبحانه رحيم في ناره تماما كما هو رحيم في جنته.