(فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ). نام أصحاب البستان آمنين مطمئنين على أن يجنوا ثماره في الصباح ، وفي تلك الليلة بالذات سلط الله آفة على البستان أو على ثماره فأصبح كالصريم ، وللصريم معان ، منها المصروم أي المقطوع ثماره ، وعليه يكون المعنى ان البستان أصبح كالذّي قطعت ثماره ولم يبق منها شيء ، ومن معاني الصريم أيضا السواد ، وعليه يكون المعنى ان البستان احترق وأصبح في سواده كالليل المظلم (فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ). حين دخل وقت الصباح نادى بعضهم بعضا : هلموا نقطف الثمار على غفلة من الفقراء ما دمتم على عزمكم.
(فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ). أسرعوا وهم يتسارون مغتبطين : لن يذوق اليوم من ثمار بستاننا محروم .. وليس من شك ان هذا جفاء وقسوة ، ولكنه في حدود الشح والحرص ، فالبستان بستانهم ، والثمار ثمارهم لم يسرقوا ولم ينهبوا .. ومع هذا غضب الله عليهم وأعد لهم الخزي والعذاب فكيف إذا تجاوزوا الى الاعتداء على حياة الناس وأقواتهم بالقتل والتشريد والسلب والنهب كما يفعل الآن قادة الاستعمار الجديد في شرق الأرض وغربها! .. (وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ). مضوا الى بستانهم ، وهم مصممون على حرمان الفقراء من ثمره : وتخيلوا ان البستان وثمره بأيديهم ، وما دروا ان يد الله فوق أيديهم.
(فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ). لما وصلوا الى البستان هالهم ما رأوا واعترفوا بضلالهم ، وقالوا : نحن المحرومون من فضل الله وثوابه ، والمستحقون لغضبه وعذابه ، وليس الفقراء والمساكين .. وكان منهم رجل رشيد يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ، ولكنهم لم يستمعوا لنصحه ، وحين رأى ما حل بهم (قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ)؟ أي تشكرون الله قولا وفعلا بالبذل والعطاء .. قال لهم هذا بحنان وإشفاق عليهم ، ثم أمرهم بالتوبة والانابة (قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) أنفسنا بمعصية الله (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ) يتنصل كل من التبعة ويلقي بها على صاحبه كما هو شأن الشركاء في الجريمة حين يؤخذون بما كسبت أيديهم.
(قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ). ثم رجعوا الى عقولهم وتركوا التلاوم ،