المفهوم من سياق الكلام. وقليلا ما تؤمنون قليلا صفة لمفعول مطلق محذوف و «ما» زائدة أي تؤمنون ايمانا قليلا ، ومثله قليلا ما تذكّرون. وتنزيل خبر لمبتدأ محذوف أي هو تنزيل. فما منكم «ما» نافية تعمل عمل ليس ، وأحد اسمها و «من» زائدة اعرابا ، وحاجزين خبرها على معنى أحد لأنه في معنى الجماعة ، ومنكم متعلق بمحذوف حالا من حاجزين ، ولو تأخر «منكم» لتعلق بصفة لحاجزين.
المعنى :
(فَلا أُقْسِمُ). اللام زائدة عند أكثر المفسرين ، وقيل : بل هي نافية للقسم لأن الامر أوضح من ان يحتاج الى أيمان ، وتقدم الكلام عن مثله عند تفسير الآية ٧٦ من سورة الواقعة (بِما تُبْصِرُونَ وَما لا تُبْصِرُونَ). هذا عام لعالم الغيب والشهادة مما كان ويكون في الدنيا والآخرة ، وهو في واقعه قسم بعلم الله سبحانه الذي أحاط بكل شيء ، ومن ذلك (إِنَّهُ ـ أي القرآن ـ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ). لقد نطق محمد (ص) بالقرآن ما في ذلك ريب ، ولكن لم ينطق به لأنه شاعر أو كاهن ، ولا بصفة من صفاته الشخصية ، وانما جاء به من حيث انه مبلّغ عن الله ولسانه وبيانه. وتكلمنا مفصلا عن الشعر والرسول عند تفسير الآية ٢٢٤ من سورة الشعراء ج ٥ ص ٥٢٤.
وقوله تعالى : (فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ) ، (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) معناه لا يؤمن ولا يتذكر أحد منهم إلا القليل ، وقيل : بل المراد ما آمن ولا تذكر منهم قليل ولا كثير جريا على عادة العرب ، فإنهم يقولون : قلّما يفعل ، بمعنى لا يفعل البتة ، والتفسير الأول أقرب الى الواقع لأن المفروض ان بعض المشركين قد آمنوا بالرسول (ص) قبل أن يهاجر من مكة الى المدينة. وتقدم مثله في الآية ٨٨ من سورة البقرة ج ١ ص ١٤٨.