وتسأل : هل مجرد القسم يثبت الرسالة من الله لمحمد ، وينفي عنه الشعر والكهانة؟.
الجواب : لقد جاء هذا القسم بعد أن تحدى سبحانه المكذبين في العديد من الآيات بأن يأتوا بمثل القرآن ، وبعد ان عجزوا ولزمتهم الحجة ، فالمراد بالقسم هو تأكيد الحق الثابت بالدليل ، لا اثبات الحق بالقسم .. هذا ، الى ان للجدل مع الخصم أساليب شتى تتعدد وتختلف بحسب أفكاره وأوضاعه ، ومن تلك الأساليب الإدلاء بالحجة ، وإلقاء الأسئلة عليه بما يتناسب مع عقيدته ، وفصاحة الأسلوب وبلاغته ، ومنها أيضا القسم فإنه يبعث في بعض القلوب إحساسا غامضا ومثيرا.
(وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ). تقوّل أي افترى وفيه ضمير مستتر يعود الى محمد (ص) ، والأقاويل جمع أقوال ، وغلب على الأقوال الكاذبة ، والمراد بالأخذ باليمين هنا التمكن والقدرة ، والوتين نياط القلب وحبل الوريد إذا قطع مات صاحبه ، وحاجزين أي مانعين وحائلين ، والمعنى ان محمدا منزه عما ينسبه اليه المشركون من الافتراء على الله ، ولو تعمد ذلك لانتقم الله منه ، ونكل به أفظع تنكيل ، ولا أحد من المشركين ولا غيرهم ينجيه من هذا العذاب والتنكيل ، وبما ان الله لم يفعل ذلك بمحمد فهو ـ اذن ـ الصادق الأمين ، والمفترون هم الذين نسبوا محمدا الى الافتراء.
وتسأل : لما ذا لم يعجّل سبحانه العقوبة لمن كذّب محمدا كما يعجلها لمحمد لو كان كاذبا؟
الجواب : ان هذا التهديد منه تعالى انما هو لمن يدعي النبوة كذبا وزورا ، لا لمن كذّب بنبوة الأنبياء ، والفرق بعيد وظاهر بين الاثنين .. هذا ، الى ان الغرض من تهديده سبحانه هو تنزيه الرسول الأعظم عما نسب اليه من الافتراء على الله كما أشرنا.
(وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ). ضمير انه يعود الى القرآن ، وهو هدى لمن طلب الهداية ، وأراد بصدق واخلاص ان يتقي غضب الله وعذابه (وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ