الرؤساء الطغاة ، والمراد بمكرهم الأساليب التي كانوا يتبعونها لصد المستضعفين عن الايمان ، ومنها قول أولئك الطغاة للناس : (لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ) لا تتركوا عبادة الأوثان الى عبادة إله واحد ، وكان لهم أصنام كثيرة ، وأهمها مكانة وشأنا خمسة ، ولذا خصوها بالذكر ، وقالوا : (وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً). وكان نوح يشدد النكير على عبادة هذه الخمسة لأنها أكبر الآلهة.
وقال جماعة من المفسرين : ان هذه الخمسة ظلت تعبد في الجاهلية الى عهد الرسول الأعظم (ص) ، وان ودا كان لقبيلة كلب ، وسواعا لهذيل ، ويغوث لغطيف ، ويعوق لهمدان ، ونسرا لحمير .. وهناك أصنام أخر لأقوام آخرين كاللات والعزى وهبل ومناة (وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالاً). واو الجماعة في ضلوا يعود الى القادة الطغاة ، والمراد ب «ضلالا» الهلاك مثل قوله تعالى : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) ـ ٤٧ القمر. أما زيادة الهلاك فالمراد به القسوة والشدة ، والمعنى أنزل اللهم عذابك الأليم الشديد بقادة الفساد لأنهم ضلوا وأضلوا الكثير من عبادك.
(مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً). هذه الآية معترضة في كلام نوح ودعائه ، ولكنها تمت اليه بسبب ، ومعناها ان قوم نوح أصروا على الكفر والضلال فأخذهم سبحانه بالطوفان ، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ، ولا ينجيهم منه أحد (وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً). أي لا تبق منهم أحدا ، وما دعا نوح عليهم بالاستئصال إلا بعد ان نزلت عليه هذه الآية : (وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) ـ ٣٦ هود. ونقل الرازي عن المبرد : ان ديارا لا تستعمل إلا في النفي ، يقال : ما في الدار ديار ، ولا يقال : فيها ديار.
(إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً). يدل هذا على ان الكفر والفجور قد طغى على مجتمع قوم نوح بحيث لا ينشأ فيه إلا الكافر الفاجر .. ومعلوم ان نفس الطفل كالمرآة ينعكس عليها كل ما يحيط بها .. حتى الكبير يختلف سلوكه بين مجتمع وبين آخر فكيف الصغار! وروي ان الرجل من قوم نوح كان ينطلق بابنه اليه ، ويقول له : احذر هذا ـ مشيرا الى نوح ـ