حقا انه لمعجز وانه (يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ) فما من خير إلا ويرشد اليه ويأمر به مرغّبا ومبشرا ، وما من شر إلا ويدل عليه وينهى عنه منذرا ومحذرا.
١ ـ (فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً) لأنه قادر على كل شيء ، ومن قدر على كل شيء فهو في غنى عن الشركاء ، ولو استعان بغيره لكان عاجزا ، والعاجز لا يكون إلها.
٢ ـ (وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً). جل سبحانه عن اتخاذ الأبناء ، وطهر عن ملامسة النساء ، كيف وهو الغني الحميد؟.
٣ ـ (وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللهِ شَطَطاً). المراد بالسفيه هنا الجاهل ، والشطط تجاوز الحد ، وفيه إيماء الى انه كان في الجن طائفة تدين بالتثليث : الرب وابنه وزوجته ، وما من شك ان هذا سفه وسرف.
٤ ـ (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِباً). كان قادة الدين من الجن يلقنون أتباعهم الأضاليل والأباطيل ، من ذلك ان لله صاحبة وولدا فيصدق الأتباع السذج ثقة بالكبار ، وإيمانا بأن ما من أحد يجترئ على الله ويصفه بغير صفاته ، ولما سمعوا القرآن أيقنوا ان رؤساءهم يفترون على الله الكذب ويصفونه بما لا يليق بجلاله وعظمته.
ومكان العظمة في هذه الآيات ان الجن سمعوا حكمة القرآن للمرة الأولى فوعوها واتعظوا بها .. ونحن نسمع القرآن ونقرأه مرات ومرات ، ولا يخلو منه بيت من بيوت المسلمين ، ثم لا ننتفع بمواعظه ، ولا نهتدي برشده .. فهل الجن ـ يا ترى ـ أصفى نفسا ، أو أتم عقلا ، أو لا شيء في حياتهم من المغريات والشهوات؟.
٥ ـ (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً). اختلفوا في تفسير هذه الآية ، والأقرب الى الافهام ـ خلافا لجمهور المفسرين ـ ان المراد برجال من الانس البسطاء السذج ، والمراد برجال من الجن المشعوذون الذين يموهون على البسطاء بأن لهم صلات بالجن يستحضرونهم متى شاءوا ، ويسخرونهم فيما أرادوا ، وعليه يكون المعنى ان السذج كانوا يستجيرون بالمشعوذين ليدفعوا عنهم غائلة الجن ، أو يتنبئوا بما يحدث لهم ، أو يقربوا بعيدا ، أو يبعدّوا قريبا. أما قوله : (فَزادُوهُمْ رَهَقاً) فمعناه ان المشعوذين كانوا يطلبون من البسطاء من الأجر ما يرهقونهم به.