اللهِ وَرِسالاتِهِ) لا مفر ولا ملجأ لرسول الله من الله إذا قصر في تأدية الرسالة التي ائتمنه عليها .. وهذه آية من عشرات الآيات التي تدل بصراحة ووضوح على ان الإسلام يرفض فكرة الواسطة بين الله وعباده ، ويضع الإنسان أمام خالقه مباشرة يخاطبه ويناجيه بما شاء ، ويتقرب اليه بفعل الخيرات من غير شفيع ووسيط.
(وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً). هذا تهديد ووعيد للعصاة الطغاة .. على ان الله سبحانه يجب أن يطاع حتى ولو لم يهدد ويتوعد ، فكيف إذا هدد وتوعد (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً). كان المشركون يستضعفون أنصار رسول الله (ص) ويستقلون عددهم ، ويقولون له : نحن أكثر منك مالا وأعز نفرا! .. فأجابهم سبحانه : في غد تعلمون من هو الأعز ومن هو الأذل؟ وصدق الله العظيم ، فما مضت الأيام حتى أذلهم الإسلام بعزته ، ورفع المسلمين بقدرته ، وللكافرين في الآخرة عذاب الحريق.
(قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً). حين سمع المشركون قوله تعالى : (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً) سألوا النبي (ص) : متى يكون هذا؟ فأمر الله نبيه الكريم أن يقول لهم : علمه عند ربي ، ولا أدري أقريب هو أم بعيد ، فقوله تعالى : (أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً) يتلخص بكلمة «بعيد» كما في الآية ١٠٩ من سورة الأنبياء : (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ).
(عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ). الغيب لله ولمن ائتمنه سبحانه على وحيه ، واصطفاه من عباده لرسالته ، فإنه يعلم من الغيب ما علمه الله (سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا). وقال جماعة من المفسرين ، منهم الرازي والمراغي : ان غير الرسول قد يعلم الغيب ويخبر به! .. ولا يتفق هذا مع ظاهر قوله : (فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ). أجل ، ان ذوي الافهام يتنبئون بالمستقبل ، ويصدقون في الكثير من ظنونهم وفراستهم ، ولكنهم يستخرجونها من قرائن وأمارات تظهر لهم وتخفى على من دونهم فهما وعلما ، وأين هذا من علم الغيب الذي لا يظهره الله إلا على الرسل والأنبياء؟. (فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً). الذي تبادر الى فهمنا من