أصر النبي (ص) على دعوته بالرغم مما لاقاه وقاساه حزبت قريش ضده الأحزاب ، وجيشت الجيوش لحربه .. فتحمل وثبت وصبر واحتسب تلبية لقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ).
وبهذا يتضح ان وظيفة الرسول هي الانذار مع الصبر على متاعبه وأهواله ، هذا هو الأمر الأول ، أما الثاني أعني المساواة بين الناس أجمعين فيدل عليها قوله تعالى : (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ). إذا قلت لإنسان عادي : كبّر الله ، فهمنا من قولك هذا انك ترغب اليه أن يقول : «الله أكبر» تماما كما لو قلت له : صلّ على محمد ، أما قوله تعالى لنبيه الكريم : (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) بعد قوله : (قُمْ فَأَنْذِرْ) فإن له معنى آخر أكبر وأضخم ، وهو اصرخ يا محمد في وجوه الجبابرة المتكبرين المتعالين ، اصرخ بهم : ان العزة لله جميعا ، وانه وحده الكبير المتعالي ، وان القوة والعظمة والسلطان للواحد الأحد لا شريك له من آلهتكم ولا منكم ولا من غيركم ، وان الناس كلهم متساوون في العبودية لله ، لا فرق بين اسود وابيض ، ولا بين غني وفقير .. واستجاب محمد لدعوة ربه ، وقال للطغاة فيما قال : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) ـ ٩٨ الأنبياء.
(وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ). وهذا أيضا من متعلقات الدعوة والانذار .. وليس من شك ان نظافة البدن والثياب من الايمان ، ولكن المعنى المراد هنا أعم وأشمل ، وهو ان يدعو الرسول الأعظم (ص) الى طهارة الظاهر من الأقذار ، والباطن من القبائح والرذائل كالغدر والخيانة ، والرياء والنفاق ، والجهل والغرور ، وما الى ذلك من الذنوب والآثام .. وانما عبّر سبحانه عن ذلك بتطهير الثياب جريا على عادة العرب ، فيقولون : فلان طاهر الذيل والأردان ، وهم يريدون طهارة القلب والذات.
(وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ). قيل : المراد بالرجز كل قبيح ، وعليه يكون تفسيرا وتوضيحا لقوله : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) على ما ذكرناه من التفسير. وقيل : المراد به الشرك وعبادة الأوثان (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) لك يا محمد حسنات كثيرة ، وفضل كبير على الناس ، ولكن لا تمنن بذلك على أحد ، فتقدّر في نفسك انك أعطيت كثيرا ، وتقول : أنا فعلت وتفضلت ، فإن كل ما تبذله وتضحي به