(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ). قال الإمامية والمعتزلة : ان الله سبحانه لا تجوز عليه الرؤية البصرية في الدنيا ولا في الآخرة ، وقالوا أيضا : ان ناظرة هنا من رؤية البصيرة لا البصر ، أو من الانتظار بمعنى ان النفس تنتظر وتترقب نعمة الله وكرامته ، وأجاز الأشاعرة الرؤية البصرية عليه تعالى ، وسبق لنا الكلام عن ذلك مفصلا في ج ١ ص ١٠٧ بعنوان «رؤية الله» .. على ان البحث في هذا الموضوع وما اليه لا جدوى منه عامة ولا خاصة ، وربما أدى الى توسيع الشقة بين المسلمين ، والله سبحانه لم يكلف به أحدا ، ومهما يكن فإن المتقين يحشرون غدا في طلعة بهية مشرقة مستبشرين بما آتاهم الله من فضله (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ). أما المجرمون فعلى العكس تماما من المتقين ، يحشرون في وجوه عابسة كالحة ، وقلوب تهتز رعبا وهلعا من غضب الله وعذابه. وتقدم مثله في الآية ١٠٦ من سورة آل عمران ج ٢ ص ١٢٨.
(كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ وَقِيلَ مَنْ راقٍ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ). هذه الآيات تصف حال المحتضر ، ونزول الموت به الذي لا ينجو منه نبي ولا شقي ولا صغير أو كبير. وابتدأ سبحانه بكلمة «كلا» حيث تقدم قوله : (بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ) فناسب الردع والزجر عن ذلك ، وفي بلغت ضمير يعود الى الروح التي دل عليها سياق الكلام ، والمعنى كف أيها المجرم عن الجرائم والآثام وإيثار الفانية على الباقية ، واذكر الموت هادم اللذات وقاطع الأمنيات ، اذكر نفسك الأخير حين تبلغ الروح الحلقوم ، وتشرف على الخروج من جسدك ، ويقول أهلك بعد العجز عن علاجك : هل من راق يرقيه ، أو طبيب يداويه؟ وأنت على يقين من أمرك وانه الموت الذي لا يغني منه علاج ولا دواء.
(وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ). تلتوي إحدى ساقي المحتضر على الأخرى من شدة الهول. وقيل : هذا كناية عن الأمر الشديد جريا على طريقة العرب ، فإنهم يقولون عمن دهمته شدة : شمّر لها عن ساق (إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ). من مات فإلى الله منقلبه ، ولا طريق له إلا اليه.
ومن كلام للإمام علي (ع) يصف حال المتحضر : «فبينا هو يضحك الى الدنيا ، وتضحك اليه في ظل عيش غفول إذ وطئ الدهر به حسكه ، ونقضت الأيام قواه ، ونظرت اليه الحتوف عن كثب .. وفتر معلله ، وذهل ممرضه ،