(إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ). الموعود به هو يوم القيامة ، و «انما» كلمتان «ان» و «ما» الموصولة وهي اسم ان وتوعدون صلة وواقع خبر «ان» والجملة جواب القسم ، والمعنى ان الساعة آتية لا ريب فيها (فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ). ذهب ضوءها (وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ) انفطرت كواكبها (وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ). صارت هباء وذهبت مع الريح (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) من التوقيت ، والرسل الملائكة ، وقد جعل الله لها وقتا معلوما تحضر فيه لتشهد على العباد ، ثم تسوق المتقين زمرا الى الجنة ، والمجرمين زمرا الى جهنم (لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ) تلك الرسل؟ (لِيَوْمِ الْفَصْلِ) بدل من لأي يوم بإعادة حرف الجر ، والاستفهام لتفخيم اليوم وشدة أهواله ، وسمي بيوم الفصل حيث يفصل فيه بين الناس بالحق بلا إجحاف ومحاباة (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ). ما الذي تعرفه عن هذا اليوم الذي لا يقاس بهوله هول؟ (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ). هذا تهديد ووعيد لمن كذب بيوم الدين ، وأيضا لمن آمن به ولم يعمل له.
(أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ) كقوم نوح لأنهم كذبوا رسولهم (ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ) كقوم لوط (كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) الذين كذبوا محمدا (ص) لأن السبب واحد ، وهو الإعراض عن الحق (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) تكررت هذه الآية عشر مرات تبعا لاختلاف معنى الآية التي قبلها (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ). أتنكرون البعث وتقولون : من يحيي العظام وهي رميم؟ وأنتم تعلمون ان الله أنشأكم من ماء حقير ، وأودعكم في ظلمات ثلاث أمدا معينا ينقلكم فيه من خلق الى خلق ، وحدد هذا الأمد في منتهى الدقة والحكمة .. أبعد هذا كله تكفرون بأنعم الله ، وتكذبون بقدرته على البعث والحساب والجزاء؟.
(أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً)؟. كفات جمع كفت ، وهو الوعاء ، وقد شبّه سبحانه الأرض بالأوعية ، والخلق بما تضمه الأوعية وتجمعه ، والمعنى ان الأرض تضم الخلائق أحياء على ظهرها ، وأمواتا في بطنها .. والأرض مفعول أول لنجعل ، وكفاتا مفعول ثان ، وأحياء وأمواتا حال من مفعول فعل مقدر أي تكفتهم الأرض أحياء وأمواتا ، وقيل : مفعول (وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ)