ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ) من دخان جهنم : شعبة تظللهم من فوق رؤوسهم ، وثانية عن يمينهم ، وثالثة عن شمالهم (لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ). هو ظل ، ولكنه لا يقي المستظلين به من عذاب الحريق ، بل يزيدهم عذابا على عذاب ، ومثله (وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ) ـ ٤٤ الواقعة. (إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ). ضمير انها يعود الى جهنم ، وجمالة جمع جمل ، والمعنى ان شرر جهنم يتطاير ويملأ الفضاء ، وكل شرارة كالقصر حجما ، والجمل الأصفر لونا.
(هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ). الضمير للمجرمين .. وللعباد يوم القيامة مواقف يؤذن لهم بالكلام في بعضها دون بعض. انظر تفسير الآية ٦٥ من سورة يس ج ٦ ص ٤٢١. وقيل في معنى الآية : ان المجرمين لا ينطقون بما ينفعهم ، ولا عذر لهم عند الله (هذا يَوْمُ الْفَصْلِ) يفصل فيه بالحق بين الخلائق (جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ) من المجرمين أمثالكم وحشرناكم جميعا في موقف واحد لنقاش يوم الحساب. ثم تساقون الى مقر واحد هو جهنم وبئس القرار (فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ). هذه هي نهايتكم ، فان كان لديكم حيلة أو وسيلة تمتنعون بها من العذاب فأتوا بها ... وفيه تقريع وتوبيخ على مكرهم وخداعهم في الحياة الدنيا.
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ). هذا على عادة القرآن الكريم ، يقرن عذاب المجرمين بثواب المتقين لغرض الترغيب والترهيب .. فللمجرمين ظلال من دخان جهنم ، وللمتقين ظلال من نعيم الجنة ، وعيون جارية وفواكه متنوعة مع الكرامة والمهابة من العلي الأعلى ، من ذلك قول الملائكة لهم : (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). تقدم مثله بالحرف الواحد في الآية ١٩ من سورة الطور (كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ). هذه هي سنتنا في الخلق (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) ـ ٣٠ الكهف.
(كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً). الخطاب للمجرمين ، والمراد به التهديد والوعيد ، ومعناه تمتعوا في حطام الدنيا كما تشاءون ، فما هي إلا ايام قلائل ، ثم تزول المتعة كما يزول السراب (إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ) وسنّة الله في المجرمين ان يمهلهم قليلا ثم يذيقهم