المعنى :
(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً) بثواب الله ومرضاته ، ومنجاة من عذابه وغضبه (حَدائِقَ وَأَعْناباً). خص سبحانه الأعناب بالذكر لأهميتها عند المخاطبين (وَكَواعِبَ أَتْراباً) حورا في سن واحدة ولم تتدل أثداؤهن (وَكَأْساً دِهاقاً) طافحة بما لذ وطاب (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً). لا يقولون ولا يسمعون كلاما لا يعتد به ولا أساس له من الحق والواقع ، وفيه إيماء الى ان أهل الجنة وإن كانوا بلا عمل فإنهم لا يخوضون بما يخوض فيه أهل البطالة في الحياة الدنيا (جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً). كلمة جزاء تشير الى ان الثواب على العمل الصالح حق لا بد منه ، وكلمة عطاء تومئ الى ان الله يزيدهم من فضله زيادة كافية وافية بما يحبّون ويشتهون. وتقدم مثله في عشرات الآيات ، منها الآية ٦ وما بعدها من سورة مريم.
(رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً). ضمير لا يملكون يعود الى الخلائق الذين يومئ اليهم ذكر السموات والأرض لأن الله ربهما ورب من فيهما ، والمعنى ان تلك الحدائق وغيرها مما أنعم الله بها على المتقين ، هي من الرحمن الرحيم ومالك الملك الذي لا أحد يملك ان يخاطبه يوم القيامة في شأن الثواب والعقاب ، فهو وحده يتصرف (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً). قيل : المراد بالروح هنا جبريل لأن الله سبحانه أسماه بالروح الأمين في الآية ١٩٣ من سورة الشعراء : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ). وقال الشيخ عبده : «الروح من مخلوقات الله المغيبة عنا التي لم نكلف بالبحث عن حقائقها». والمعنى ان الملائكة يصطفون في يوم القيامة ، ويملئون الجو هيبة ورهبة ، وهم على طاعتهم وقربهم من الله لا يتحركون بأية حركة ، ولا ينطقون بأية كلمة إلا بإذن منه تعالى ، وهو لا يأذن بالكلام لهم ولغيرهم إلا من كانت حياته كلها صوابا وصدقا ، وعدلا وحقا ، وأيضا لا يقول المأذون له إلا ما شاء الله وأراد.
(ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً). يوم القيامة حق لا ريب فيه ، والناس يومذاك فريقان : فريق الى النار والبعد عن الله ورحمته ، وفريق الى القرب من الله وجنته ، والطريق اليها واضح وممهد. وهو العمل الصالح مع