المعنى :
(فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى). إذا قامت القيامة دمرت الكون بأرضه وسمائه ، ولم يبق من شيء إلا خالق كل شيء .. وهذه هي الطامة الكبرى ، واي شيء اكبر منها وأعظم ، ومن هنا قيل : ما من طامة إلا وفوقها طامة ، والقيامة فوق كل طامة (يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى). إذا انتقل من الفانية إلى الباقية يرى صحيفة أعماله مع الجزاء ، إن خيرا فخير وإن شرا فشرّ ، وعندئذ يتذكر سعيه في الحياة الدنيا وما كسبت يداه (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى) لا يحجبه عن رؤيتها حاجب ، ولا يحرسها منه حارس ، وفوق ذلك : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا) ـ ٧١ مريم.
(فَأَمَّا مَنْ طَغى وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى). من انقاد إلى أهوائه أوردته المهالك ، ومن تغلب عليها أبصر الطريق ، وبلغ من الخير غايته .. والهوى علة العلل ، وصدق من قال : من أطاع هواه اعطى عدوه مناه. وقال آخر : إن حقيقة الإنسان هي نفسه ، فإذا تغلب عليها الهوى أصبح مخلوقا آخر لا يشبه الإنسان في قلبه ولا عقله. ومما قاله الإمام علي (ع) في وصف من قاس الحق بأهوائه : «لا يعرف باب الهدى فيتبعه ، ولا باب العمى فيجتنبه ، فذلك ميت الأحياء». وتجدر الاشارة إلى ان المراد بالهوى ما خالف الحق والعدل ، وإلا فإن النفس تشتهي الحلال كما تشتهي الحرام.
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها) متى تقوم القيامة؟ (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها). يطلبون منك يا محمد أن تحدد لهم اليوم الذي تقوم فيه القيامة ، ولا يدخل هذا في اختصاصك ، ولا في شيء من وظيفتك ، والمطلوب منك ان تخوف الناس من القيامة وأهوالها ، أما متى تكون فعلم ذلك عند الله ، وقد شاءت حكمته أن يخفيها عن عباده حتى الأنبياء والمقربين ، وأن لا تأتيهم إلا بغتة. وتقدم مثله في الآية ١٨٧ من سورة الأعراف : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها