يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ). المراد بالنذر الرسل ، وضمير يديه وخلفه يعود الى هود ، والمعنى اذكر يا محمد لقومك أيضا ان هودا لم يكن أول المرسلين ، ولا هو آخرهم ، بل أرسل الله كثيرين من قبل هود ومن بعده ، وكان ينذر قومه بهذا النداء الذي جاء على لسان كل نبي : (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) ان بقيتم على ما أنتم عليه من الشرك والضلال.
(قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ). أتريدنا يا هود أن نترك عبادة الأصنام ، ونعبد إلها واحدا ... ان هذا لشيء عجاب!. وتهددنا بعذاب عظيم؟ عجل به ان كان تهديدك حقا وصدقا (قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ). أمرني ربي أن أنذركم بالعذاب ، فأطعت وأنذرت ، أما متى يقع العذاب؟ وما هو نوعه ولونه فعلمه عند الله ، ولا أعلم من ذلك شيئا ، ولكني أعلم علم اليقين انكم في غمرة الجهل والضلال (فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا). الهاء في رأوه للعذاب ، وعارضا أي عرض في الأفق ، ومستقبل أوديتهم متوجها اليها ، والمعنى ظنوا العذاب سحابا من الغيث ، ففرحوا به ، وبشر بعضهم بعضا بالخصب والرخاء.
فقال لهم هود أو لسان الحال والواقع : (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها). رأوا سحابا في الأفق ، ظاهره الرحمة وباطنه العذاب ، فانخدعوا بالظاهر ، وذهلوا عما وراءه من المخبآت والمفاجئات ، فأخذهم العذاب ، وهم في سكرة من كواذب الأماني والآمال ... وهذه نهاية من تمادى في غوايته ، وانقاد الى رغبته (فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) التي أصبحت قبورا لأجسامهم. والعاقل من اتعظ بهم وبأمثالهم ، وخاف بطش الله عند النعمة والرخاء ، ورجا رحمته عند الشدة والضراء (كَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ) في الدنيا والآخرة ، أو في الآخرة فقط على ما توجبه الحكمة البالغة.
(وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ). أهلكنا عادا لما طغوا وبغوا ، وقد كنا أعطيناهم من القوة والمال ما لم نعطكم مثله يا عتاة قريش ... ألا تخشون أن يصيبكم مثل ما أصاب عادا وغيرهم من الأمم الماضية؟. (وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً