الى رسوله بلسان جبريل الذي رآه محمد في الأفق الواضح على صورته وحقيقته رؤية صادقة لا شك فيها. وتقدم مثله في الآية ١٢ من سورة النجم.
(وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ). ضمير هو لرسول الله (ص) والغيب القرآن ، والمعنى ما كان محمد ليكتم القرآن ، ويسكت عن إعلان الحق مخافة ان تقولوا ايها المشركون : هو مجنون ، بل يعلنه على الاشهاد ولا تأخذه في الحق لومة لائم (وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ). هذا رد لزعمهم بأن ما يتكلم به الرسول قد نفثه الشيطان على لسانه .. وهل توحي الشياطين بالهدى والخير ، والحق والعدل؟ (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) في أحكامكم وضلالكم؟ (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ). ان القرآن آمر بالخير ، زاجر عن الشر ، وفوق هذا كله فيه تبيان كل شيء فكيف يكون قول شيطان رجيم؟.
(لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ). القرآن هدى وصلاح لمن يرغب في الهداية والاستقامة ، أما من يصر على الضلال فلا ينتفع بذكر ، ولا تؤثر فيه عظة (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ). قال الرازي : هذه الآية تدل على ان الإنسان مسيّر غير مخيّر .. ويرده ان معنى الآية هو ان الله سبحانه طلب من العبد أن يستقيم على جادة الحق والعدل ، ولكن المعاند يأبى إلا الانحراف ، ولا يستقيم إلا إذا أجبره الله على ذلك .. وهذا يتنافى مع عدل الله وحكمته ، وبتعبير ثان ان الله سبحانه خلق الإنسان مختارا ذا عقل وارادة ، وميّزه بذلك عن الحيوان ، ومن ثم كلفه بالطاعة من دونه ، ولو شاء سبحانه لسلب الإنسان ارادة العقل ، وجعله كالحيوان أو أحط منه.