لأنها تختفي عن الرائي في ضوء الشمس كما تختفي الظبية في كناسها ، ووصفها سبحانه بالخنس لأنها ترجع الى الظهور للعيان بعد غياب الشمس ، ويتفق هذا في نتيجته مع تفسير الطبرسي في مجمع البيان حيث قال ما نصه بالحرف : «هي النجوم تخنس بالنهار ، وتبدو بالليل». والفرق بين التفسيرين ان الخنس هنا عند صاحب المجمع هو الاختفاء ، والكنس الظهور ، والعكس عند الشيخ محمد عبده .. وعلى أية حال فإن الله سبحانه أقسم بالنجوم للتنبيه الى ما في صنعها من الدلائل على قدرة المبدع وحكمته.
(وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ). هذا قسم ثان منه تعالى بإدبار الليل وإقبال النهار لأنه عطف على القسم. وفي كتاب محاولة لفهم عصري للقرآن : «تقرأ في القرآن ألفاظا فتترك في السمع رنينا وأصداء وصورا حينما يقسم الله بالليل والنهار فيقول : (وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) .. «عسعس» .. هذه الحروف الأربعة هي الليل مصورا بكل ما فيه .. (وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) ان ضوء الفجر هنا مرئي ومسموع .. انك تكاد تسمع سقسقة العصفور وصيحة الديك».
(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ). هذا جواب القسم ، وضمير انه للقرآن المفهوم من السياق ، والمراد بالرسول جبريل ، وأضاف سبحانه القرآن الى جبريل لأنه حامله وناقله عن الله الى رسول الله (ص) ، ولجبريل كرامة ومكانة عند الله ، وهو أمين على التنزيل ، وقوي على أدائه وعلى غيره من الأعمال الموكلة اليه. وتقدم مثله في الآية ٦ من سورة النجم (مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) ثم بمعنى هناك ، وهي اشارة الى المكان الذي يطاع فيه جبريل ، وهو من عالم الغيب الذي لا يعرف حقيقته إلا الله.
(وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ). الخطاب لعتاة قريش ، وصاحبهم محمد (ص) ، وقد رماه بعضهم بالجنون كما جاء في الآية ٦ من سورة الحجر (وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) ج ٤ ص ٤٦٨. فبرأه الله مما يفترون. وتقدم مثله في الآية ٢ من سورة القلم (وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ). أتقولون : محمد مجنون حين يخبركم عن الجنة والنار؟. كلا ، ان القرآن وحي من الله ، أوحاه