المعنى :
(كَلَّا). ارتدعوا عن التكذيب باليوم الآخر (إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) هو سجل أثبت فيه أسماء الأبرار وأعمالهم ، وقد أودع في مكان عال يتفق مع مقام الأبرار وعليه يكون معنى كتاب الكتابة (وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ) لا يدرك بوهم ، ولا يقدر بفهم (كِتابٌ مَرْقُومٌ). فيه علامات تدل على كريم الأفعال ، وجليل الصفات (يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ). هذا الكتاب لا ريب فيه ، وهو محسوس يراه كل من يقترب منه. وقيل : المراد بالمقربين الملائكة (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ). هذا بيان لثواب أهل البر والإحسان (عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ). الأرائك الأسرّة وينظرون أي تتمتع أبصارهم بأبهى المناظر وأجملها (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ). تدل ملامحهم انهم من أهل الجنة. وتقدم مثله في الآية ٣٨ من سورة عبس.
(يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتامُهُ مِسْكٌ). الرحيق الخمر الصافية. وقد ختمت أوانيها بالمسك بدل الطين (وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ). نعيم الجنة هو الذي يستحق السباق والتنافس لأنه باق ببقاء الله ، أما حطام الدنيا فإلى زوال ، وكل حي فيها الى فناء (وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ). ضمير مزاجه يعود الى الرحيق ، وهذا الرحيق ممزوج بماء من عين اسمها تسنيم ، وانما سميت بذلك لأن ماءها يأتي من العلو ، فطابق الاسم المسمى كما قال الشيخ محمد عبده. والمقربون هم الأبرار الذين أعد الله لهم ما ذكره من النعيم ، والغرض من هذه الآيات الحث والترغيب في الايمان وصالح الأعمال.
(إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ). بعد أن ذكر سبحانه المتقين ذكر المجرمين ، وانهم كانوا في الدنيا يختالون ويتعالون على المؤمنين ، ويتخذون منهم مادة للضحك والسخرية .. لا لشيء إلا لعجزهم عن رد الأذى (وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ) عليهم ساخرين بهم كما هو دأب الأراذل والأنذال (وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ). متلذذين بالغيبة وذكر السوء (وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ). وهكذا الخونة يزرون بالمخلصين ، والفجرة بالمتقين. وفي تفسير الرازي : مرّ الإمام علي (ع) ونفر من المسلمين بجماعة من المنافقين ، فضحكوا وتغامزوا ، ثم رجعوا الى أصحابهم وقالوا رأينا اليوم الأصلع ، فضحكوا