المعنى :
(فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ). سبق الكلام عن (فَلا أُقْسِمُ) أكثر من مرة. انظر تفسير الآية ٧٥ من سورة الواقعة والآية ١٥ من سورة التكوير .. والشفق الحمرة الباقية في الأفق من آثار غروب الشمس ، وقد يكون الغرض من القسم هو التنبيه الى هذا الوقت لأنه مرحلة الانتقال من النهار وأتعابه الى الليل وراحته.
(وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ) أي ضم وجمع ما تفرق وانتشر في النهار ، فأفراد الاسرة يجمعهم الليل بعد ان فرقهم عمل النهار ، وكذا الجيران والأصحاب يجتمعون في الليل للسمر ، قال الشيخ محمد عبده : لا يخفى عليك ان ما انتشر بالنهار يجتمع بالليل حتى ان جناحيك اللذين تمدهما الى العمل في النهار تضمهما الى جنبيك في الليل .. والليل يضم الأمهات الى أفراخها ، ويرد السائمات الى مناخها (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ). تم وتكامل نوره ليلة ١٣ و ١٤ و ١٥ ، وتسمى هذه الليالي بالليالي البيض.
(لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ). هذا جواب القسم ، وقرئ بفتح الباء خطابا للإنسان ، وبضمها خطابا للناس ، والمعنى لا بد أن يمر الإنسان بالعديد من الأطوار ، فمن النطفة الى الجنين ، ومنه الى الطفولة ، الى الشباب ، ثم الكهولة ، الى الهرم وأرذل العمر .. وأيضا يلاقي في حياته ألوانا من الصحة والمرض ، والغنى والفقر ، والحزن والفرح .. وكذلك الجماعات تتقدم وتتأخر .. وهكذا تتصرف الدنيا بأهلها حالا بعد حال حتى يقفوا جميعا بين يدي الله للحساب والجزاء.
(فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) مع ان الأسباب الموجبة للايمان لا يبلغها الإحصاء في الآفاق وفي أنفسهم (وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ) لا يعترفون به ولا يسلمون ، وقال الشيخ محمد عبده : لا تظن ان قرع القرآن لم يكسر أغلاق قلوبهم ، ولم يبلغ صوته أعماق ضمائرهم .. بلى قد بلغ واقنع فيما بلغ ، ولكن العناد هو الذي يمنعهم عن الايمان ، فليس منشأ التكذيب قصور الدليل ، وانما هو تقصير المستدل وإعراضه عن الهدى (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ) بالحق