الأخذ بعنف ، فكيف إذا كان شديدا ، ومن جبار السموات والأرض؟. والخطاب هنا لرسول الله (ص) والغرض منه تهديد الذين يؤذون الرسول ومن آمن معه (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ). ومن كان قادرا على بدء الخلق وإعادته فهو على البطش بالطغاة أقدر (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ). لمّا ذكر سبحانه شدة العذاب قرنها بمغفرته ولطفه ليرجع اليه العاصون بالتوبة ولا ييأسوا من رحمته ، فإن غضبه تعالى على المذنبين لا يمنعه من الرحمة بهم (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) صاحب الملك والسيطرة.
(فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ). ومراده تعالى يتحقق بمجرد ارادته من غير حاجة لشيء آخر ، قال الإمام علي (ع) : «فاعل لا باضطراب آلة مقدر لا بجولة فكر .. يريد ولا يضمر .. يقول لمن أراد كونه : كن فيكون لا بصوت يقرع ، ولا بنداء يسمع ، وانما كلامه سبحانه فعل منه». وقد أراد ، جلت حكمته ، هلاك الأمم السابقة الذين كذبوا رسلهم فكان ما أراد (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ). وهم من الذين اهلكهم الله بتكذيب رسلهم ، وهل هنا بمعنى قد مثل (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ). والمعنى قد سمعت يا محمد وسمع قومك ما حل بثمود قوم صالح وبفرعون وملئه ، وكيف انتقم الله منهم لمّا كذبوا الرسل ، فكذلك ينتقم سبحانه من الذين كذبوك متى أراد.
(بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ). ان فئة من الذين كفروا ، ومنهم عتاة قريش يجحدون الحق لا لشيء إلا لأنهم مولعون بتكذيبه ومعاندته أينما كان ويكون ، وإلا فأي عذر لهم في إنكاره وقد قامت عليه الدلائل والبينات ، وظهرت كوضح النهار؟. (وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ). انهم في قبضة الله يقلبهم كيف يشاء ، ويهلكهم متى أراد .. وفيه إيماء الى انهم لا يرتدعون عن التكذيب بالحق حتى يروا العذاب (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ) عظيم الشأن ، لأن كل ما فيه حق وعدل مع قيام الحجة ووضوح البرهان ، وما كذّب به إلا المجرمون (فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) من التحريف مصون من التغيير والتبديل .. وللمفسرين كلام طويل وعريض حول اللوح المحفوظ ، ونحن غير مسؤولين عن تحديده ومعرفة حقيقته .. والراسخون في العلم يؤمنون بالغيب المحجوب ، ويحجمون عن الشروح والتفاصيل.