لا يتصل بالمشاهدة من قريب أو بعيد ، ثم أقسم بالشاهد والمشهود أي بما هو شهادة صرف ، وعلى هذا يكون سبحانه قد أقسم بجميع العوالم ، سواء منها ما كان من عالم الغيب فقط ، أم من عالم الشهادة فقط ، أم منهما معا ، والغرض من ذلك هو ان يلفت الناظرين الى الكائنات بشتى أنواعها ، ويعتبروا بما ظهر منها من الإحكام والنظام ، ويبذلوا الجهد لمعرفة ما غاب واستتر.
(قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ). الأخدود شق في الأرض يحفر مستطيلا ، وأصحابه قوم كافرون لهم بأس وسلطان ، وقيل : المراد بهم ذو نواس وقومه ، وهو أحد ملوك اليمن. وأيا كان اصحاب الأخدود فإن هذه الآيات تشير الى أناس طغاة قد حفروا خندقا وأضرموه بنار تسطع باللهب ، ثم جاءوا بالمؤمنين المخلصين وعرضوهم على النار ، فمن رجع عن دينه ووافقهم على الكفر والبغي تركوه ، ومن أصر على الايمان والإخلاص أحرقوه ، وهم قاعدون على جوانب الخندق حول النار يتلذذون ويتمتعون بمشاهدة الأجسام تحترق حية طرية (وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ). هذا هو ذنبهم الأول والأخير هو الايمان بالله مالك الملك القادر القاهر العالم بكل شيء والمستحق وحده للحمد. ووصف سبحانه نفسه بهذه الصفات للاشارة الى انه لا مفر للطغاة من سلطان الله وعذابه. ومثله (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ) ـ ٢٨ غافر.
(إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ). بعد أن أشار سبحانه الى أهل الأخدود الجبابرة عرّض بعتاة قريش الذين آذوا المؤمنين ليفتنوهم عن دينهم ، ويردوهم كفارا بعد ايمانهم ، وقد هددهم سبحانه إذا لم يرتدعوا ، هددهم وتوعدهم بأليم العذاب .. وعطف عذاب الحريق على عذاب جهنم من باب عطف التفسير والتوضيح ، والغرض منه تأكيد الوعيد والتهديد ، وزيادة التخويف والتهويل (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ). تقدم مثله في العديد من الآيات ، وجاء ذكره هنا على طريقة القرآن الكريم حيث يقرن هلاك المجرمين بفوز المتقين ، ونعيم هؤلاء بجحيم أولئك (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ). البطش