المعنى :
(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى). الخطاب خاص بالرسول (ص) والتكليف يعم الجميع ، والمعنى نزه الله عن الشريك والصاحبة والولد ، وكل ما لا يليق بعظمته وجلاله ، ولا شيء أدل على تنزيه الخالق من كلمة «لا إله إلا الله» وانما أمر سبحانه بتسبيح الاسم دون الذات لأن مبلغ جهد الإنسان ان يعرف الله بأسمائه الحسنى وصفاته العظمى ، أما الذات فلا تقع عليها العقول والافهام (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى). خلق ما خلق فأقام حده ، وصوّر ما صوّر فأحسن صورته (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى). جعل لكل شيء غاية ويسره اليها ، وخير تفسير لهذه الآية قول الإمام علي (ع) : قدر ما خلق فأحكم تقديره ، ودبره فألطف تدبيره ، ووجهه لوجهته فلم يتعد حدود منزلته ، ويقصر دون الانتهاء لغايته (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى) متاعا للأنام ، ورزقا للأنعام (فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى). الغثاء الجاف اليابس ، والأحوى يميل لونه الى السواد ، وبديهة ان النبات ينتفع به غضا طريا ، وأيضا ينتفع به هشيما باليا حيث يكون علفا للحيوانات .. وفيه إيماء الى ان كل حي الى زوال.
(سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى). هذه بشرى من الله لنبيه الكريم بأن القرآن سينزل على قلبه ويرسخ فيه ، ولا يفوته منه حرف واحد. وتقدم مثله في الآية ١٧ من سورة القيامة (إِلَّا ما شاءَ اللهُ). قال بعض المفسرين : معناه ان الله لا ينسي نبيه شيئا من القرآن إلا الآية التي ينسخها. ونحن مع الذين قالوا : ان الغرض من الاستثناء هو التنبيه على ان الحفظ وعدم النسيان هو تفضل وتكرم من الله على نبيه ، وليس بالأمر الحتم والواجب ، ولو أراد سبحانه أن ينسي النبي لفعل ، ولم يعجزه شيء ، ومثله (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) ـ ١٠٧ هود أي ان الخلود هو بمشيئة الله وارادته ولو أراد إخراجهم من جهنم لا يمنعه من ذلك مانع.
(إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى). ليس من شك ان الله بكل شيء عليم ، وأشار سبحانه هنا الى ذلك بعد ذكر النسيان ليقول لنبيه الكريم : نحن نعلم ما في نفسك وانك كنت تخاف أن يفوتك شيء من القرآن .. كلا ، لن يفوتك شيء ، كن في أمان واطمئنان (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى). المراد باليسرى الشريعة السهلة السمحة ،